تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[الضبيطي]ــــــــ[10 - 09 - 09, 06:44 ص]ـ

فصل فارجع الآن إلى النطفة وتأمل حالها أولا وما صارت إليه ثانيا

وأنه لو اجتمع الإنس والجن على أن يخلقوا لها سمعا أو بصرا أو عقلا أو قدرة أو علما أو روحا.

بل عظما واحدا من أصغر عظامها. بل عرقا من أدق عروقها. بل شعرة واحدة، لعجزوا عن ذلك!

بل ذلك كله آثار صنع الله الذي أتقن كل شيء في قطرة من ماء مهين، فمن هذا صنعه في قطرة ماء، فكيف صنعه في ملكوت السموات وعلوها وسعتها واستدارتها وعظم خلقها، وحسن بنائها، وعجائب شمسها وقمرها وكواكبها، ومقاديرها وأشكالها، وتفاوت مشارقها ومغاربها!

فلا ذرة فيها تنفك عن حكمة. بل هي أحكم خلقا، وأتقن صنعا، وأجمع العجائب من بدن الإنسان. بل لا نسبة لجميع ما في الأرض إلى عجائب السموات!

قال الله تعالى: " أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها ".

وقال تعالى: " إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس " إلى قوله: " لآيات لقوم يعقلون ". فبدأ بذكر خلق السموات!

وقال تعالى: " إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ".

وهذا كثير في القرآن، فالأرض والبحار والهواء، وكل ما تحت السموات، بالإضافة إلى السموات كقطرة في بحر!

ولهذا قل أن تجيء سورة في القرآن إلا وفيها ذكرها. إما إخبارا عن عظمها وسعتها، وإما إقساما بها، وإما دعاء إلى النظر فيها، وإما إرشادا للعباد أن يستدلوا بها على عظمة بانيها ورافعها، وإما استدلالا منه سبحانه بخلقها على ما أخبر به من المعاد والقيامة، وإما استدلالا منه بربوبيته لها على وحدانيته، وأنه الله الذي لا إله إلا هو، وإما استدلالا منه بحسنها، واستوائها، والتئام أجزائها، وعدم الفطور فيها على تمام حكمته وقدرته!

وكذلك ما فيها من الكواكب والشمس والقمر، والعجائب التي تتقاصر عقول البشر عن قليلها.

فكم من قسم في القرآن بها!

كقوله تعالى: " والسماء ذات البروج "، "والسماء والطارق "، " والسماء وما بناها "، " والسماء ذات الرجع "، " والشمس وضحاها "، " والنجم إذا هوى "، " والنجم الثاقب "، " فلا أقسم بالخنس " وهي الكواكب التي تكون خنسا عند طلوعها، جوارٍ في مجراها ومسيرها، كنسا عند غروبها. فأقسم بها في أحوالها الثلاثة، ولم يقسم في كتابه بشيء من مخلوقاته أكثر من السماء، والنجوم، والشمس، والقمر!

وهو سبحانه يقسم بما يقسم به من مخلوقاته؛ لتضمنه الآيات والعجائب الدالة عليه.

وكلما كان أعظم آية، وأبلغ في الدلالة كان إقسامه به أكثر من غيره!

ولهذا يعظم هذا القسم كقوله تعالى: " فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم "

وأظهر القولين أنه قسم بمواقع هذه النجوم التي في السماء، فإن اسم النجوم عند الإطلاق إنما ينصرف إليها، وأيضا فإنه لم تجر عادته سبحانه باستعمال النجوم في آيات القرآن، ولا في موضع واحد من كتابه حتى تحمل عليه هذه الآية، وجرت عادته باستعمال النجوم في الكواكب في جميع القرآن، وأيضا فإن نظير الإقسام بمواقعها هنا إقسامه بهوي النجم في قوله تعالى: " والنجم إذا هوى ".

وأيضا فإن هذا قول جمهور أهل التفسير، وأيضا فإنه سبحانه يقسم بالقرآن نفسه لا بوصوله إلى عباده. هذه طريقة القرآن.

قال الله تعالى: " ص والقرآن ذي الذكر "، " يس والقرآن الحكيم "، " ق والقرآن المجيد "، " حم والكتاب المبين "، ونظائره.

والمقصود أنه سبحانه إنما يقسم من مخلوقاته بما هو من آياته الدالة على ربوبيته ووحدانيته.

وقد أثنى سبحانه في كتابه على المتفكرين في خلق السموات والأرض، وذم المعرضين عن ذلك، فقال تعالى: " وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ".

وتأمل خلق هذا السقف الأعظم مع صلابته وشدته، ووثاقته من دخان، وهو بخار الماء!

قال الله تعالى: " وبنينا فوقكم سبعا شدادا "!

وقال تعالى: " أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها "! وقال تعالى: " وجعلنا السماء سقفا محفوظا "!

فانظر إلى هذا البناء العظيم الشديد الواسع الذي رفع سمكه أعظم ارتفاع، وزينه بأحسن زينة، وأودعه العجائب، والآيات، وكيف ابتدأ خلقه من بخار ارتفع من الماء وهو الدخان!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير