وقال الحافظ في ترجمته في (الإصابة): الإمام المقدم في علم الحلال والحرام، وقال: شهد بدراً وهو ابن إحدى وعشرين سنة، وأمّره النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن، والحديث بذلك في الصحيح من رواية ابن عباس عنه، وقال: وفي سنن أبي داود عن معاذ بن جبل قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني لأحبك ... )) الحديث في القول بعد كل صلاة، وعده أنس بن مالك فيمن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الصحيح. وفيه عن عبد الله بن عمرو رفعه: ((اقرؤوا القرآن من أربعة ... )) فذكره فيهم، وقال: وقال أبو نعيم في (الحلية): ((إمام الفقهاء، وكنز العلماء، شهد العقبة وبدراً والمشاهد، كان من أفضل شباب الأنصار حلماً وحياء وسخاء، وكان جميلاً وسيماً)).
وقال الحافظ ابن حجر أيضاً: وفي حديث أبي قلابة عن أنس عند الترمذي وغيره في ذكر بعض الصحابة مرفوعاً: ((وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ))، وفي مرسل أبي عون الثقفي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((يأتي معاذ يوم القيامة أمام الناس برتوة))، أخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه، وأورده ابن عساكر من طريق عن محمد بن الخطاب، وقال: ومناقبه كثيرة جداً، وقدم من اليمن في خلافة أبي بكر، وكان وفاته بالطاعون في الشام سنة سبع عشرة أو التي بعدها وهو قول الأكثر، وعاش أربعاً وثلاثين سنة، وقيل غير ذلك. انتهى.
المبحث الثالث/ لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث:
(1) رجال الإسناد الستة خرّج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلاّ شيخ البخاري فلم يرو له مع البخاري سوى مسلم وأبي داود.
(2) رجال الإسناد كلهم بصريون إلاّ معاذ بن جبل رضي الله عنه فإنه مدني.
(3) في الإسناد صحابيان: معاذ بن جبل وأنس بن مالك رضي الله عنهما، فالحديث من رواية صحابي عن صحابي.
(4) صيغة الأداء في الإسناد التحديث إلاّ في رواية أنس عن معاذ رضي الله عنهما فهي العنعنة.
(5) قتادة من المعروفين بالتدليس، وقد صرّح في هذا الإسناد بالتحديث، فأمن بذلك احتمال تدليسه.
(6) قال الحافظ ابن حجر في (نخبة الفكر): ومن المهم معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفي هذا الإسناد شاهد لذلك فهدبة شيخ البخاري كنيته أبو خالد واسم أبيه خالد.
(7) معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بينا أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلاّ آخرة الرحل. ومثل هذا من الصيغ التي يستدل بها على أن الراوي قد ضبط ما رواه، قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) في شرح قوله: (ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل). وفائدة ذكره المبالغة في شدة قربه ليكون أوقع في نفس سامعه أنه ضبط ما رواه.
(8) معاذ بن جبل رضي الله عنه رديف النبي صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث، ومن الأمور اللطيفة التي تدل على عناية سلف هذه الأمة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً وتقريراً، ما ذكره الحافظ ابن حجر في (الفتح) عن ابن منده حيث قال في شرحه لهذا الحديث في (كتاب اللباس): وقد أفرد ابن منده أسماء من أردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه فبلغوا ثلاثين نفساً.
(9) قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث: تنبيه. هذا من الأحاديث التي أخرجها البخاري في ثلاثة مواضع عن شيخ واحد بسند واحد، وهي قليلة في كتابه جداً ولكنه أضاف إليه في (الاستئذان) موسى بن إسماعيل، وقد تتبع بعض من لقيناه ما أخرجه في موضعين بسند، فبلغ عدتها زيادة على العشرين، وفي بعضها يتصرف في المتن بالاختصار منه. انتهى.
وقد مرّ في لطائف إسناد الحديث التاسع وهو قول جرير رضي الله عنه: ((بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم))، أنه منها ومنها أيضاً حديث حذيفة رضي الله عنه: ((نزلت الأمانة في جذر قلوب الرجال))، الحديث. أورده البخاري في (كتاب الرقاق) وفي (كتاب الفتن) بإسناد واحد مع الاتفاق في المتن أيضاً، وتقدم في المقدمة ما ذكره صاحب (كشف الظنون): أن التي ذكرها البخاري سنداً ومتناً معاداً، ثلاثة وعشرون حديثاً.
المبحث الرابع/ شرح الحديث:
¥