وعليه فما تراه في هذه الأيام من الأشرطة التي تنسب إلى الدين، والدعوة إليه، ثم تجد عليها هذه العبارة: كلمات فلان بن فلان، وألحان فلان بن فلان، وأداء فلان بن فلان، كل ما تراه من هذه الأشرطة إنما هو من هذا الغناء المحرم والعياذ بالله، لا من الغناء المباح.
تنبيه مهم:
ينبغي أن يُعلم أنه وإن قلنا بجواز النوع الأول من الغناء الذي يسمى الحداء، وعلى التنزل والتسليم بجواز النوع الثاني منه، فهذا كله ما إذا كان على وجه اللهو واللعب أما إذا خرج إلى حد التقرب به، والتعبد واتخاذه طريقاَ إلى الله، ووسيلة من وسائل الدعوة إلى دين الله، فلا شك أنه بدعة لم يأذن بها الله، وهذا هو الذي يسمى بسماع الصوفية، والذي اشتد النكير عليه من السلف رحمهم الله، وما ذلك إلا لأنه أمر محدث في الدين بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم، كان يقدر على فعله، ومع ذلك تركه وأعرض عنه، فلو كان مشروعاً لسبقنا إليه صلى الله عليه وسلم، هو وأصاحبه.
لذا فليعلم اللبيب أن ما فشى في هذه الأيام من اتخاذ الغناء وسيلة من وسائل الدعوة إلي الله، وتزيينه من بعض الناس، حتى أشربت قلوبهم بحبه، ثم اخترعوا له اسماً آخر غير السماع الصوفي ليزخرفوا به باطلهم، ليعلم أن هذا الغناء هو أيضاً بدعة منكرة محدثة بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم، أعني بذلك ما يسمى الأناشيد الإسلامية، وذلك أن السماع الصوفي إنما أنكره من أنكره من السلف والخلف لأنه فُعل تديناً وتقرباً إلي الله، أو اتُخذ وسيلة لترقيق القلوب وجمع الناس عليه، فبالله عليكم ما الفرق بينه وبين من يتخذ ما يسمى بالأناشيد الإسلامية – بل هي البدعية – وسيلة دعوية يتألف بها قلوب الناس. [انظر تحريم آلات الطرب للألباني 181]
قال ابن تيمية: وأما سماع القصائد لصلاح القلوب والاجتماع على ذلك إما نشيداً مجرداً، وإما مقروناً بالتغبير ونحوه، مثل الضرب بالقضيب على الجلود حتى يطير الغبار، ومثل التصفيق ونحوه، فهذا السماع محدث في الإسلام بعد ذهاب القرون الثلاثة …
وبالجملة: فعلى المؤمن أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئاً يقرب إلى الجنة ألا وقد حدث به، ولا شيئاً يبعد عن النار إلا وقد حدث به، ولو كان هذا السماع مصلحة شرعية لشرعه الله ورسوله، فإنه تبارك وتعالى يقول: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً] [المائدة: الآية3] وإذا وجد منفعة بقلبه، ولم يجد شاهد ذلك من الكتاب والسنة لم يلتفت إليه، ويكون باطلاً.ا. هـ[مختصر الفتاوى المصرية ص592 والفتاوى 11/ 591].
فإن قال قائل: إنما يريدون بهذه الأناشيد الترويح واللهو، فهذا كلام جاهل بحقيقتها، كيف لا؟ ونحن ما نزال نسمع من يصرح أنها من وسائل الدعوة وخصوصاً للشباب والفتيات، بل إنك لتسمع في أول الشريط أو آخره سؤالهم الله أن يكون عملهم خالصاً، وأن يتقبله منهم. فما معنى ذلك؟!!!
وعليه فلا يحل سماع مثل هذه الأناشيد ولا نشرها بقصد ترقيق القلوب، أو دعوة الناس إلى الدين، بل ولا حتى بيعها ولا شراؤها، لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، ولله سبحانه وتعالى يقول: [وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب] [المائدة: الآية2].
المبحث الثالث: حكم آلات اللهو والمعازف [الآلات الموسيقية].
إن من العجيب والعجيب حقاً أن يجري الخلاف في هذه المسألة، وكتب السلف والأئمة طافحة بنفي الخلاف فيها وذكر الإجماع على تحريمها.
لكن العجب ينقضي إذا علمت أن هؤلاء الذي يدندنون حول هذه المسألة ويثيرون حولها الشبه، إذا علمت أنهم ما بين رجل متبع لهواه قد أصمه وأعماه، أو رجل جعل الخلاف دليلاً، وإرضاء الناس غاية وسبيلاً.
وإليك أيها الأخ المبارك – إن شاء الله – الأدلة على تحريم آلات اللهو والمعازف:
أولاً: من السنة: ما رواه البخاري أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: [ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف] فأخبر النبي صلي الله عليه وسلم أن أناساً يأتون ويستحلون – أي يجعلونها حلالاً – الحر وهو الزنا والخمر والمعازف، فدل ذلك على أنها محرمة في الأصل.
¥