القشيري نص في رسالته (ص150) على أن ما روي عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن أبي جعفر بن أبي طالب من جملة سماع الأشعار بالألحان.
وكذلك ابن رجب في رسالته في السماع، يقول: (وقد روي عن بعض السلف من الصحابة وغيرهم ما يوهم عند البعض إباحة الغناء، والمراد بذلك هو الحداء والأشعار).
وابن الجوزي يقول: (كان الغناء في زمانهم إنشادَ قصائد الزهدِ إلا أنهم كانوا يُلحِّنونها).
وابن حجر الهيتمي في كتابه كف الرعاع يقول: (لم يحفظ عن أحد ولم يرو عن أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من الأئمة المجتهدين من قال بإباحة المعازف).
ولمَّا كتب أحد الكتاب من مصر كلاماً يجوز فيه الغناء بآلات اللهو والطرب، ويستدل فيه ببعض النصوص من المرويات عن بعض السلف في إباحة الغناء، قال عنه أحمد بن الصديق الغماري: - وهو من علماء المغرب، وإن كان فيه لوثةٌ اعتقادية - (وأما استدلالهم بذلك فعجيب!! فإن إبليس داخلٌ في إجماع العقلاء على تحريم ذلك الغناء).
(وينظر فيما سبق كتاب: الغناء في الميزان، ص: 12، 45).
وعلى ذلك يتبين أن استدلال الشيخ ومن معه ببعض الآثار التي جاءت عن السلف وأهل المدينة في سماع الغناء وإباحته فالمراد به: الحداء والألحان والأناشيد، وليس المراد بذلك المعازف إطلاقاً، وأما ما ورد عن بعضهم من جواز الغناء ولو مع آلات اللهو والطرب فلا يخلو من أمور:
• إما إنه لم يصح النقل عنهم وهذا وارد جداً. (ينظر كتاب الشيخ عبد الله رمضان فقد ذكر كثير ممن استشهد بهم الشيخ أن ذلك لا يصح عنهم).
• وإما أن بعض العلماء المتأخرين وهم قلة لم يفرق بين الحداء والغناء الذي ورد عن السلف فأجازه كما سيأتي لا حقاً.
• وإما شذوذ من بعضهم، لا يجوز أن يتابع عليه، إذ لا أسوة في الشر كما يقوله ابن مسعود – رضي الله عنه -.
* * * * * * *
? عن سماع أهل المدينة للغناء:
جاء في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأبي بكر الخلال (ص: 169) سُئِل الإمام مالك- رحمه الله- عن الغناء فقال: (إنما يفعل ذلك عندنا الفسّاق). وصحح إسناده الشيخ الألباني.
وسُئِل الإمام الشافعي- رحمه الله-: حيث سأله يونس، فقال: سألت الشافعي عن السماع الذي أراده أهل المدينة؟ فقال الشافعي: (لا أعلم أحداً من أهل المدينة كره السماع إلا ما كان على الأوصاف، وأما ما كان من إنشاد الشعر والحداء وذكر المرابع، فإنه مباح).
وقال الإمام أحمد - رحمه الله - قال: (الغناء الذي وردت فيه الرخصة هو غناء الراكب: أتيناكم أتيناكم). فتح الباري لابن رجب: (6/ 83)
ومعلوم من مالك، وما علمه بعمل أهل المدينة!
* * * * * * *
? موقف العالم الأصولي الفقيه ابن قدامة المقدسي فيمن يقول بإباحة الغناء:
ذكر ابن رجب - رحمه الله - في ذيل طبقات الحنابلة: (2/ 141) عند ترجمته لعبد الرحمن بن نجم الشيرازي المشهور بـ (ابن الحنبلي) وهو من كبار الفقهاء في مذهب الإمام أحمد، لما قدِم إلى ابن قدامة في العام الذي توفي فيه، قال له ابن قدامة: لقد سررت بمقدمك، فإني خشيت أن أموت فيقع وهَنٌ بالمذهب ويقع الخلافٌ بالأصحاب.
فلما استشكل وخلط بين الغِناء والحداء، وكتب ابن الحنبلي في ذلك كتاباً عنّف عليه ابن قدامة بقوله: (وشَرَع بالاستدلال لمدح الغناء بذكر الحداء، وهذا صنيعُ من لا يفرق بين الحداء والغناء ولا قول الشعر على أي وجهٍ كان، ومن كان هذا صنيعه فليس أهلاً للفتيا).
والذي قال هذا القول هو نفسه الذي قد ذكر في كتابه "المغني" أن الغناء محلُّ خلاف عند العلماء من الأصحاب، فأي غناءٍ أراد؟
الجواب: أراد الحداء، فإنه قبل وفاته بعامٍ قد شنّع على ابن الحنبلي وذكر اتفاق العلماء على تحريم الغناء.
هذا مع أن كلام ابن الحنبلي غير متوجه في الغناء بآلة؛ لأنه قد نص في رسالته لابن قدامة على تحريم الملاهي والمعازف، وجعل تحريمها إجماعاً واستثنى الشبابة، ومع ذلك عَظُم إنكار ابن قدامة عليه.
فإذا كان هذا الشأن في الغناء بدون آلات ومعازف؛ فعمرك الله كيف يقال في من استحله مع هذه الآلات والمعازف؟
(ينظر كتاب الشيخ عبد العزيز الطريفي الغناء في الميزان ص: 12)
* * * * * * *
? إشكالات علمية في البحث:
وذكر جميع الإشكالات العلمية في البحث يطول، لكن من أبرزها:
? عدم فهم القول وتنزيله على ما يريده الباحث:
¥