أقول الحديث رواه أحمد في (15720)،والنسائي في الكبرى (8960) بسند صحيح عن السائب بن يزيد أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: يا عائشة أتعرفين هذه قالت لا يا نبي الله فقال هذه قينه بني فلان تحبين أن تغنيك قالت نعم قال فأعطاها طبقا فغنتها فقال النبي صلى الله عليه و سلم قد نفخ الشيطان في منخريها.
وهذا ليس فيه أن غناء هذه الجارية كان بالمعازف، قال السندي قي حاشيته على المسند: "أن تُغَنِّيك" بالتشديد، وفيه جواز ذلك على قلةٍ من غير عُرس وعيد، كما يجوز فيهما ويحتمل أنها كانت أيام عيد."قد نفخ": أي فلذلك اتَّخذتْ ذلك عادةً، وأما التغني أحياناً، فجائز، فلا منافاة بين هذا وبين الإذن السابق الدال على الجواز، وفيه حسن المعاشرة مع الأهل".
*ونقل عن ابن النحوي في العمدة أن عطاء بن أبي رباح ممن يقول بإباحة الغناء وهذا محمول على ما ذكرت سابقاً!
روى ابن أبي شيبة في مصنفه (13951) عن عبد الله بن إدريس عن ابن جريج وعن عطاء قالا:"لا بأس بالغناء والحداء والشعر للمحرم ما لم يكن فحشا" وهو صحيح
وبوب عليه ابن أبي شيبة باب في الحداء للمحرم، فهل يظن الكلباني أن هذا الحداء منهم بالمعازف وهم في حال الإحرام؟!
ثالثاً: أن من الآثار ما يستدل به على إباحة الغناء وهو خارج محل النزاع لأنه في وقت العرس وبضرب الدف من النساء!
نقل الكلباني عن ابن النحوي في العمدة أنه قد روي الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين منهم أبو مسعود الأنصاري كما أخرجه البيهقي.
أقول رجعت إلى البيهقي في سننه الكبرى فوجدته روى بسند حسن
(14469) عن عامر بن سعد البجلي يقول: شهدت ثابت بن وديعة وقرظة بن كعب الأنصاري في عرس وإذا غناء فقلت لهما في ذلك فقالا إنه قد رخص في الغناء في العرس والبكاء على الميت في غير نياحة.
وقد روى النسائي (3383) بسند حسن عن عامر بن سعد قال: دخلت على قرظه بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس وإذا جوار يغنين فقلت أنتما صاحبا رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن أهل بدر يفعل هذا عندكم فقال اجلس إن شئت فاسمع معنا وإن شئت اذهب قد رخص لنا في اللهو عند العرس
والمقصود بالغناء هنا أيضاً ضرب الدف بدليل رواية البيهقي في السنن الكبرى (7/ 289) وجواري يضربن بالدف ويغنين.
الوقفة الخامسة: أخطاء وقع فيها الكلباني!
* الخطأ الأول:قال في مقاله"ونص على إباحة الغناء ابن رجب الحنبلي العالم الشهير صاحب الفنون"!.
وهذا خطأ محض فالحافظ ابن رجب لم يقل بإباحته قط،بل هو ممن نقل الإجماع على حرمته!
وله كتاب نزهة الأسماع في مسألة السماع قال فيه (1/ 460):" والغناء المشتمل على وصف ما جبلت النفوس على حبه، والشغف به من الصور الجميلة يثير ما كمن في النفوس من تلك المحبة، ويشوق إليها، ويحرك الطبع ويزعجه عن الاعتدال، ويؤزه إلى المعاصي أزاً، ولهذا قيل: إنه رقية الزنا،وقد افتتن بسماع الغناء، خلق كثير فأخرجهم استماعه إلى العشق وفتنوا في دينهم، فلو لم يرد نص صريح في تحريم الغناء بالشعر، الذي توصف فيه الصور الجميلة لكان محرماً بالقياس على النظر إلى الصور الجميلة، التي حرم النظر إليها بالشهوة، بالكتاب والسنة وإجماع من يعتد به من علماء الأمة ".
وذكر أن سماع الغناء يضاد سماع القرآن فقال:"نزهة الأسماع في مسألة السماع واعلم أن سماع الأغاني يضاد سماع القرآن من كل وجه فإن القرآن كلام الله، ووحيه ونوره الذي أحيا الله به القلوب الميتة، وأخرج العباد به من الظلمات إلى النور، والأغاني وآلاتها مزامير الشيطان، فإن الشيطان قرآنه الشعر، ومؤذنه المزمار ومصائده النساء. كذا قال قتادة وغيره من السلف ".
وقال رحمه الله ":ويوجب أيضاً سماع الملاهي النفرة عن سماع القرآن كما أشار إليه الشافعي رحمه الله، وعدم حضور القلب عند سماعه،وقلة الانتفاع بسماعه، ويوجب أيضاً قلة التعظيم لحرمات الله! فلا يكاد المدمن لسماع الملاهي، يشتد غضبه لمحارم الله تعالى إذا انتهكت ".
*الخطأ الثاني:نقل عنه أن قَرَظة بن بكار من الصحابة القائلين بحل الغناء كما رواه ابن قتيبة!
وهذا خطأ بين فلا يعرف في الصحابة من اسمه قرظة بن بكار!!
وإنما هو قرظة بن كعب الأنصاري مترجم له في الإستيعاب (3/ 1306)
،والإصابة (5/ 431).
¥