تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوقفة الثانية عشر: قال كاتب الرسالة: ((فلو كان تحريم الغناء واضحا جليا لما احتاج المحرمون إلى حشد النصوص من هنا وهناك، وجمع أقوال أهل العلم المشنعة له، وكان يكفيهم أن يشيروا إلى النص الصريح الصحيح ويقطعوا به الجدل، فوجود الخلاف فيه دليل آخر على أنه ليس بحرام بين التحريم، كما قرر الشافعي، وقد قال ابن كثير رحمه الله، إذ تكلم عن البسملة واختلافهم في كونها من الفاتحة أم لا، قال ما نصه: ويكفي في إثبات أنها ليست من الفاتحة اختلافهم فيها وإني أقول مثل ذلك يكفي في إثبات حل الغناء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرمه نصا)).

هذا الكلام فيه نظر فكلام الكاتب صريح في أنه يستدل بالخلاف على الجواز، وقد تقدم بطلان ذلك.

قال الإمام أبو عمرو ابن عبد البر رحمه الله في جامع بيان العلم وفضله (2/ 80): ((و الواجب عند اختلاف العلماء طلب الدليل من الكتاب والسنة والإجماع والقياس على الأصول على الصواب منها وذلك لا يعدم فإن استوت الأدلة وجب الميل مع الأشبه بما ذكرنا بالكتاب والسنة، فإذا لم يبن ذلك وجب التوقف ولم يجز القطع إلا بيقين)).

وقال الإمام أبو إسحاق الشاطبي -رحمه الله - في الموافقات (4/ 141): ((وقد زاد هذا الأمر على قدر الكفاية؛ حتى صار الخلاف في المسائل معدودا في حجج الإباحة، ووقع فيما تقدم وتأخر من الزمان الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفا فيه بين أهل العلم، لا بمعنى مراعاة الخلاف؛ فإن له نظرا آخر، بل في غير ذلك، فربما وقع الإفتاء في المسألة بالمنع؛ فيقال: لم تمنع والمسألة مختلف فيها، فيجعل الخلاف حجة في الجواز لمجرد كونها مختلفا فيها، لا لدليل يدل على صحة مذهب الجواز، ولا لتقليد من هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع، وهو عين الخطأ على الشريعة حيث جعل ما ليس بمعتمد متعمدا، وما ليس بحجة حجة)).

وقال أيضا: ((والقائل بهذا راجع إلى أن يتبع ما يشتهيه، ويجعل القول الموافق حجة له ويدرأ بها عن نفسه، فهو قد أخذ القول وسيلة إلى اتباع هواه، لا وسيلة إلى تقواه، وذلك أبعد له من أن يكون ممتثلًا لأمر الشارع، وأقرب إلى أن يكون ممن اتخذ إلهه هواه، ومن هذا أيضًا جعل بعض الناس الاختلاف رحمة للتوسع في الأقوال، وعدم التحجير على رأي واحد، ويحتج في ذلك بما روي عن القاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز وغيرهما مما تقدم ذكره، ويقول: إن الاختلاف رحمة، وربما صرح صاحب هذا القول بالتشنيع على من لازم القول المشهور أو الموافق للدليل أو الراجح عند أهل النظر والذي عليه أكثر المسلمين، ويقول له: لقد حجرت واسعًا، وملت بالناس إلى الحرج، وما في الدين من حرج، وما أشبه ذلك. وهذا القول خطأ كله، وجهل بما وضعت له الشريعة، والتوفيق بيد الله)).

الوقفة الثالثة عشرة: قال كاتب الرسالة: ((ولم يستطع القائلون بالتحريم أن يأتوا بهذا النص المحرم له، مع وجود نصوص في تحريم أشياء لم يكن العرب يعرفونها، كالخنزير، وتحدث عن أشياء لم يكونوا يحلمون بها كالشرب من آنية الذهب والفضة، ومنعوا من منع النساء من الذهاب إلى المساجد مع كثرة الفتن في كل زمان)).

هذا الكلام غير صحيح إن كان المقصود الغناء المصحوب بشيء من المعازف، فقد قام الدليل الصحيحُ الواضحُ على تحريمه، وأعني بذلك ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، قال رحمه الله: وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قيس الكلابي، حدثنا عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري، والله ما كذبني: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ليكونن من أمتي أقوام، يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة ".

فهذا حديث صحيح، إسناده متصل، ورجاله ثقات، وقد أعل هذا الحديث بعدة علل:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير