الملاهي يحكي فيها الأئمة الثقات إجماع الصحابة على منعها .. وليس فقط عدم الجواز .. ويؤيد ذلك آثار صحيحة عن بعضهم ولا مخالف لهم في ذلك ..
ثم تضع -سلمك الله- عبارة: (عدم العلم بالخلاف هذا أحسن أحواله أن يكون إجماعاً ظنياً تحيط به قرائن الخدش) فأين قرائن الخدش هنا؟ هلا بينتها؟
بل القرائن تؤيده ..
لاحظ: لا رواية عنهم تصح في إباحتها، مع روايات من بعضهم في منعها وعدم إنكار من الآخرين، مع تنصيص أئمة ثقات -على اطلاع بالخلاف والاتفاق- على إجماع الصحابة على المنع .. فماذا يُراد بعد هذا؟!
الواحدة من هذه الثلاث في اعتقادي كافية .. فكيف بها مجتمعة!
ثم يأتي يعد ذلك المنقول عن التابعين كأصحاب ابن مسعود الذين كانوا يخرقون الطبول، وعمر بن عبد العزيز .. ولا يخالفهم أحد من التابعين .. بل الآثار في ذمه منهم مشهورة لا سيما في كتب التفسير ..
ويتأيد هذا أيضا بتنصيص العلماء الذين يحكون الإجماع عنهم ..
ثم تأتي طبقة بعد ذلك وتحكي الإجماع وهم كثر؛ ومتقدمون في الزمن .. كالطبري والآجري وأبي الطيب الطبري وسليم الرازي وابن عبد البر والبغوي وغيرهم .. وبعضهم متقدم على ابن حزم ..
ثم تأتي طبقة الفقهاء المحققين كابن قدامة والنووي وأبي العباس القرطبي وابن القيم وابن رجب والأذرعي وغيرهم كثير .. وجميعهم يحكون الإجماع ..
وإني لأربأ بك يا أخي أن تصف هؤلاء جميعا بـ (المستخفين بالإجماع!) وتجزم جزما قاطعا أنها إجماعات المتأخرين!
أين هذا الإجماع المتأخر الذي لا تراه حجة هنا؟
والعجيب أنك ما طعنت في هذا الإجماع ببينة واضحة .. كله كلام إنشائي لا يخرج منه المرء بفائدة ..
إذا أردت أن تفيد إخوانك فضع يدنا على ما يبين جهل العلماء هؤلاء جميعا بالإجماع والخلاف .. وظفرك أنت بما يجعلك تخطئهم بطرف الأصابع!
وإني لأعتقد أنه قد توفر في هذه المسألة ما لا يتوفر في كثير من المسائل الإجماعية من حيث كثرة الحاكين للإجماع الذي لا مطعن فيه ..
وأما كلامك عن شيخ الإسلام فلا أرى جديدا ..
غير أن كلامك يوحي بأن القسمة عندك: إما عامي .. أو من يحتج به بالإجماع! وأما أن تكون رتبة بين هذين .. بمعنى: أن يكون هناك مشتغل بالحديث أو الفقه أو من أتباع المذاهب وقوله لا يقدح في الإجماع .. فلا يبدو لي أنه موجود في كلامك ..
لذا فقد طلبت تعريف الإجماع عندك حتى يتضح الأمر ..
ولا أزال أقول: الإجماع: اتفاق المجتهدين .. فحسب.
وأنا لم أقل إن الناس عنده هم العوام! وإنما: هل الناس في عبارته هي: الأئمة المجتهدون الذي يعتبر بقولهم في الإجماع والخلاف .. ؟
وقد نقلت لك من قوله حكاية اختلاف "الناس" في مسألة "يد بيد" مع تنصيصه على اتفاق "الأئمة" على المنع ..
وأما مسألة الاعتبار عنده التي ذكرتُها .. فليس القصد: المسألة معتبرة عنده أو لا .. وإنما خلاف المخالف عنده معتبر أم لا ..
وأما عن ابن طاهر .. فلعلك لم تفهم قصدي .. هو صوفي متهم فيما ينقل لأن مذهبهم في الغناء معلوم ..
والكذب "المتعدد" ونسبة القول للإباحة إليهم وهم ينصون صراحة على التحريم .. ألا تراه شيئا؟
ثم .. دعك من الهيتمي ..
ماذا تقول في الأذرعي؟ وهو -فيما أحسب- حسن الاعتقاد .. وله كلام حسن فيه ينقله أئمة الدعوة .. وكذلك الزركشي .. بل وقفت على غيرهما أيضا .. كلهم ينصون على الطعن في نقله في هذه المسألة ..
وأما قولك أيها الفاضل بأن رواية الموضوعات لا تقدح فيه .. إلخ
فهذه ليست رواية فقط .. بل هو إسقاط متعمد للراوي الكذاب .. وإيهام بالتصحيح .. بل أنه في أعلى مراتب الصحة! .. وحاشا الأئمة العدول من ذلك ..
وأما النقولات في مدحه فيقابلها جرح مفسر من مثلهم ..
وأما إبراهيم بن سعد .. فتُنازع في صحة ما حكاه الذهبي وغيره عنه ..
فالرواية المشهورة عنه في قصته مع الرشيد لا تصح .. وانظر تكرما رسالة الرد على القرضاوي والجديع ففيها بحث جيد في بيان عدم صحة ما روي عنه في هذا الباب ..
ثم .. لو صحت عنه فلن تؤثر شيئا في مسألتنا .. فهو محجوج بالإجماع قبله .. إن صح أن قوله أصلا يخدش في الإجماع .. وقد نص القرطبي على أن قوله لا يقدح في الإجماع لأنه غير مجتهد ..
¥