تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهكذا حديث هشام بن عمار نصُّه: (ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحِرَ [الفرج المحرَّم] والحرير والخمر والمعازف .. ) .. إلخ، ثم كان الوعد بالعقوبة: (فَيُبَيِّتهُم الله) .. وسياق الحديث دال على أن ذلك آخر الزمان عند ارتفاع العلم، وقرب الساعة، وشيوع الإباحية، وقِلَّة الخير .. وبغض النظر عن هذا فالعقوبة لكل هذه الأشياء وفيها كبائر موبقة كالزنى والخمر؛ فليست العقوبة للغناء والمعازف وحدها؛ فهذه قاعدة صحيحة .. وأما العلاقة الصحيحة التي غفلتُ عنها فهي ارتباط الغناء والمعازف بمحرمات، ولم تكن هي من الكبائر، فهي من المحرمات حرمة دون ما ذكر في السياق إلا ما استثناه نص، وهي في حكم حرمة الحرير .. وتنبغي الإفادة من مثل كتاب (تحريم آلات الطرب) للألباني - رحمه الله تعالى - من ناحية الصنعة الحديثية لا الفقهية، مع أنه أضعف كتبه في التوثيق، وقد جاء بكل جهده .. وأما مثل كتاب (ذم الملاهي) لابن أبي الدنيا فلا يُعْتَدُّ به؛ لأنه كُنَّاشةٌ لكل رواية سقيمة.

4 - الآية الكريمة من سورة لقمان لم يظهر لي إلى الآن بتوثيق دلالي أن {لَهْوَ الْحَدِيثِ} عُرْفٌ على الغناء، ولا أن الشعر الذي يُغَنَّى به يكون حديثاً .. ثم إن السياق يمنع من تخصيص {لَهْوَ الْحَدِيثِ} بالغناء أو دلالته عليه وهذا هو السياق ?وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ? [سورة لقمان/6 - 7]؛ لهذا حديث اتخذه الكافر للصد عن سبيل الله واتخاذها هزواً، ودلَّ لحن السياق على أن {سَبيلِ اللّهِ} هنا هي القرآن؛ فقال تعالى: ?وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ?؛ فكل هذا كفر وعيده عذاب مهين أليم، ولم يرد في الغناء هذا الوعيد الشديد، بل كل ما صُدَّ به عن سبيل الله، واتُّخِذَ هزواً بآيات الله - من حديث نثري، أو غناء بالشعر إن دخل في لهو الحديث - فهو كفر، ولكن وُجد غير هذه الآية الكريمة في صفة الغناء المحرم، وهو قوله تعالى مخاطباً الشيطان الرجيم: ?وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً? [سورة الإسراء/64]؛ ولدقة استنباط أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: (أمزمار الشيطان عند رسول الله) - صلى الله عليه وسلم - .. والحديث الصحيح - بتعدُّد طرقه الحسنة والصحيحة - في تحريم كل ذات زَمْرٍ، وهو شامل لكل آلات الطرب إلا ما استُثني كالدَّف: حديثُ عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - .. قال نافع - رحمه الله تعالى -: كنت أسير مع عبدالله بن عمر في طريق، فسمع زمَّارة [هي البوق]؛ فوضع أصبعيه في أذنيه، ثم عدل عن الطريق؛ فلم يزل يقول يا نافع أتسمع؟ .. قلت: لا .. فأخرج أصبعيه من أذنيه، وقال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. إلا أن الدلالة فيه على الكراهية؛ لأنه لم يذكر عن رسول - صلى الله عليه وسلم - البحث عن الزامر لنهيه .. والكراهية تشمل ما هو فوق أنغام البوق من الآلات المتناوحِة؛ فهذا هو برهان الأولوية حقاً.

5 - نهيق السِّمِّيعة لا شك في حرمته لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - الصحيح بإسناده وشواهده: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنَّة عند مصيبة.

وبالدلالة يدخل في هذا النهي الضجيج الهائج عند دخول الكرة التافهة في الملعب.

6 - ما ورد في الغناء المحرَّم المصحوب بالمعازف لا يخلو كل سند من أسانيده من مقال، ولكن النصوص تضافرت وتظاهرت؛ فكان إهمالها هو المرجوح، وإعمالها هو الرجحان، وهو الموافق للسيرة العملية قبل الاختلاف، والسيرة العملية هي قمة الإجماع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير