تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

7 - المباح الذي صحت به النصوص إنما هو غناء الركباني وليس معه آلة، ويصحبه الدف مع النساء بمثل (أتيناكم أتيناكم)؛ فقد روت عائشة - رضي الله عنها - الرخصة فيه لنساء الأنصار، وهو في عاميتنا ألحان الهجيني بلا آلة .. ومثل الدف في العرس كما في حديث الرُّبَّيِّع بنت مُعَوِّذ - رضي الله عنها -، ومثل غناء الحماس في الحرب - والدف دائماً غير لائق بالرجال -؛ فهو الحداء عند العرب ببحر الرجز، وهو في عاميتنا حداء وألحان عرضة، ويصحبها الطبل المُصْمَت للرجال، وهو غير الدف، ويُسمى (الكُبَه) وفي تحريمه نص، ولكن توارث الإلف والعادة جعله حلالاً في العرضة والسامر .. ومثل الغناء الساذَج بلا آلة لإقامة وزن الشعر.

قال أبو عبدالرحمن: وخلاصة هذه العناصر أنه لا يجوز إباحة المعازف عموماً؛ لأن أقل أحوالها الكراهية، وليس المكروه من المباح، والمستثنى الدف للنساء في العرس .. وكراهيةُ المزمارِ المسمى بوقاً وشبَّابة ويراعاً وقصبة الراعي كراهيةٌ لما هو أخص من المعازف المحرَّمة كما مر من رواية هشام بن عمار رحمه الله تعالى .. وليس كل محرم يصل إلى حد الكبيرة، ومن ضعفت عزيمته واستمتع بسماع هذه المعازف المحرَّمة مثلي فيما سلف من عمري فلا يحل له أن يفتي بحل ما هو راجح التحريم؛ فإن ذلك يجرح العقيدة، وإنما يُقِرُّ ويعترف بضعف نفسه وأنه استمتع بسماعٍ محرَّم لا يستبيحه عقيدةً، وأنه مُسَوِّف بالتوبة .. والشيخ الكلباني منَّ الله عليه بحفظ القرآن بهذا التجويد الرائع وبهذا الصوت الجميل، وقد عصمه الله بإقراره من استماع المعازف؛ فهما نعمتان ما أكبرهما لم يتمتع بهما ابن عقيل الظاهري؛ فما باله - حفظه الله - يتحمَّل عن غيره - وهو في عافية - مؤونة الفتوى بالحل، والأمر كما أسلفتُ، ولقد كفاه مؤونة هذا الوزر سالم بن علي الثقفي في كتابه الخاسر (أحكام الغناء والمعازف، وأنواع الترفيه الهادف)، ومن هذا الترفيه الهادف عنده الرقص!! .. وإذْ رجَّحتُ أن حديث هشام بن عمار عن آخر الزمان قرب قيام الساعة، وأن مع الغناء غيريَّات، ونحن الآن في ذنب الدنيا: فعلينا أن نشفق على أنفسنا من ملهى تتناوح فيه المعازف، ثم تأتي فنون الغناء، ثم يتهافت كل خنفس وهيفاء وعِرِّيٌ عِنْتِيت، ثم الصَّفير، ثم تتوافد الغيريَّات الأخرى؛ فيأخذنا الله بياتاً عياذاً بالله ولياذاً به سبحانه .. هذا من ناحية الخلاف الفقهي، وأما من ناحية تجربتي فقد كان يهزنا الحماس إذا سمعنا مثل (أيها العربي الأبي) بصوت مطرب العرب محمد عبدالوهاب؛ لأن لنا سمعةً فوق القِشَّة تَعِدَ بوحدة عربية من المحيط إلى الخليج؛ وهكذا قصيدة السودان بصوت السِّت. ونستمتع بالصوت الجميل وبعض المعاني الملامسة لأشواق الروح في مواضع من (حديث الروح) و (إلى عرفات الله) , و (ولد الهدى) و (ريم على القاع)، ثم تشمئز نفوسنا عند سماع الغلوِّ والتوسُّل المحرَّم، ونتعاطف مع مشاعر العُشَّاق إذا سمعنا مثل (عندما يأتي المساء) و (ساعة ما بشوفك جنبي)، وكلاهما لعبدالوهاب .. ولم نجترم من (الإثم) ثّمَّ إلا سماع المعازف .. ثم جاءت العثرات التي لا (لعاً) لها عندما جاء عشق الصورة، والهيام مع الأوهام، واستعباد القلب بمثل (الصوت الدافئ)، وما أشبه ذلك من مُكرِّسات التعبيد؛ وبهذه التجربة المخذولة - بحمد الله - علمت أن مثل هذا الغناء بَريدُ الفاحشة أو أنه تمنٍّ لها، وقد سجلتُ ذلك على نفسي بقولي:

وفي ضَيْعةِ الأوهام همتُ مُخَدَّراً ... بصوتٍ حنون ذي شجون وتصفيدِ

يجيش بأنات الجوى مُتمظْهراً ... ولم يشكُ حرماناً ولا كَرْبَ مفؤود

فصفَّق قلبي في حنايا جوانحي ... دهاه وداد ظِلُّه غير ممدود

أُعلِّل نفساً في سراديب ظُلْمة ... بكذب الأماني أو بأضباع تجعيد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير