قضايا المرأة لم تفعل من الفريق النصراني ولا المسلم الذي تبنى وجهة نظر الغرب كلية تجاه المرأة، وإنما من فريق آخر كان مطموراً شيئا ما على الساحة، وهو المتحدثون بالتطور والنمو من المنتسبين للعلم الشرعي. كان هذا التيار هو الفاعل الحقيقي في عملية التغريب عموماً، وقضايا المرأة خصوصاً.
** هذا الكلام عجيب!!
هذا الكلام تاريخ حصل نحكيه، وواقع نعيشه ولا ينتبه إليه كثيرون. ما يسمى بالطرف الليبرالي يمثل فقط الفظاعة التي تعطي شرعية أو وسطية لبعض الإسلاميين الذين يتبنون قضايا المرأة.
العجب أخي الكريم من شيء آخر.
العجب أن تنقلب الدعوة إلى التقدم والرقي المادي إلى ثورة على الثوابت الشرعية فالبعثات العلمية التي ذهبت لأوروبا لم ترجع بعلوم تقنية، وإنما بجدالٍ فكري، ديني، وتطوير التعليم تم توجيه لإخراج موظفين يخدمون مصلحة المحتل (الآخر)، ولم ينل عامة الناس شيئاً مما جاءوا به. وجاء بتغيير في القوانين التي هي أحكام الشريعة.!!
هذا ملحظ عام، فمع كثرة المبتعثين لأوروبا من أجل جلب التقنية الحديثة وتطوير المجتمع المسلم ـ بزعمهم ـ إلا أن شيئا من هذا لم يحدث. بل عاد هؤلاء وجهدهم في حمل الأمة على السير خلف أوروبا في كل شيء عدا العلم التقني!!
والعجب ـ أيضاً ـ من أن الذين سعوا في ذلك هم بأنفسهم الذين كانوا يقولون أننا نستطيع أن نأخذ التقنية الحديثة دون أن يصيبنا ما عند القوم من أذى، فرفاعة الطهطاوي لم يكن يعارض تعليم النساء على الطريقة الأوروبية، ومحمد عبده يسند إليه ما خرج على يد قاسم أمين كله أو جله، والفاعلون في السياسة أولئك المتحدثين عن (الوطنية) المتسببين في تقسيم المجتمع المسلم وتفتيته والذي تبعه انهيار الخلافة الإسلامية كانوا من تلاميذ هؤلاء وأصدقائهم كلطفي السيد وسعد زغلول.
وهذا الملحظ موجود الآن أيضاً، فذات المتحدثين عن (التقدم) و (التطور) و (الرقي) هم هم بأم أعينهم المتحدثين عن (قضايا المرأة)، وحديثهم تعديل في وضع المرأة في الإسلام كي تكون على موافقة كلياً أو جزئياً لما عليه الآخر. والمشاريع التي تشيد لشيء من التقدم التقني يثور حولها جدل مما يسمى بقضايا المرأة. أو ذات الفعاليات التي تعنى بالحديث عن (التقدم) و (التطور) و (الرقي) يأتي فيها الحديث عن بعض ما يدرج تحت مسمى قضايا المرأة (كالاختلاط) و (التعدد) و (تحديد سن الزواج) .. الخ.
وتجد المتحدثين عن (الرقي) و (التقدم) من المنتسبين للعلم الشرعي لا للبحث التقني. وحديثهم يتجه للداخل، ويتجه للمعارض للثقافة الغربية لا للمعارض للتقدم التقني. وهذا عجيب.
عجيب من ناحية أن المعارضين للثقافة الغربية لا يقفون حجر عثرة أمام التقدم التقني، ولا يرفضون ما يتاح لهم منه، ولا يتنادون للجلوس عنه.
وعجيب من ناحية أن يتحدث الشرعيون عن (التقدم) و (التطور) و (الرقي) المادي ولا يتحدث التقنيون. لو كان الأمر جد لوجدت المتحدثين هم أهل التقنية، ووجدت أفعالاً لا أقوالا وجدالاً، كما في نموذج اليابان ودول أقصى الشرق.
هذا ما حصل صار هؤلاء إلى تغيير المجتمع عقدياً لا تطويره تقنياً. كانت هذه هي النتيجة المباشرة لسعي الساعين في طلب التقدم التقني من الشرعيين ومن المبتعثين التقنيين. . تغيير عقدي .. . أفاد منه المحتل.
وتطور الأمر.
**كيف تطور الأمر؟
لم يمض قرن من الزمان حتى بدأ تلاميذ المجموعة المتحدثة عن (التقدم) و (التطور) و (الرقي) في النقل عن الآخر، لم ينضبط الأمر كما أرادوا بداية. فقد أورث الاعجابُ بما عليه الغرب من تقدم تقني القومَ إعجاباً بما عند الغرب من أفكار وآداب. ودخلنا في مرحلةٍ أخرى، وهي مرحلة النقل عن الآخر. ولا أتكلم عن المفاهيم فقط، فنقل المفاهيم جاء قبل مع رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي، وإنما أتحدث عن النقل المباشر، وبدأ الأمر بما خرج على يد قاسم أمين، وقد تقدم. ثم بالأدب حيث نقل العقاد ومعه شكري والمازني فيما عرف بمدرسة الديوان إحدى مدارس الأدب الغربي إلى ثقافتنا العربية، وكان هؤلاء ينقلون المفاهيم كاملة يطبقونها على الأدب الإسلامي، وشاركوا بهذا الكافر الموجود بين أظهرنا (أشير إلى خليل مطران تحديداً، ومدارس المهجر عموما)، وشاركهم الكافر بعد ذلك بإيجاد مَن طور ونشر
¥