أولا: الرياء بالبدن: فيظهر المرء النحول وإغارة العينين والاصفرار ذبول الشفتين ليوهم شدة الاجتهاد في العبادة, كل ذلك رجاء تحصيل ثناء الناس.
ثانيا: الرياء بالزي والهيئة: فيكون بعدة أمور منها: إرادة إبقاء أثر السجود والحرص على ذلك, أو لباس غليظ الثياب, أو القصير منها لا بقصد الاتباع بل لإظهار الاتباع ومراءاة الخلق, وفرق بين الأمرين.
ثالثا: الرياء بالقول: ويصعب حصر أنواعه: كإظهار غزارة العلم أو التمكين منه ليقال عالم, أو بإظهار شدة الحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليقال آمر بمعروف ناه عن منكر, أو برفع الصوت بقراءة القرآن حتى يقال قارئ كما في الأثر.
رابعا: الرياء بالعمل: وصوره كثيرة: كإطالة السجود والركوع والخشوع في الصلاة, وإشعار الناس بالصيام, والرغبة في تحصيل لقب حاج, وإظهار الصدقة ليقال جواد كما في الأثر, جميعها إنما فعلها لملاحظة الناس له فقط.
أما قوله تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} , فقد دلت الآية على مشروعية إظهار الصدقات لكن الخيرية في إخفائها, كما جنح بعض أهل العلم إلى التفريق بين الزكاة الواجبة التي يفضل إظهارها وبين صدقة التطوع التي يستحب إخفاؤها, والحقيقة ألا فرق بين التطوع والواجب منها مع ملاحظة الإخلاص فيهما معا.
خامسا: الرياء بإظهار الاتباع: كتكلف استزازة العلماء لتعلو منزلته ويحسن الظن به, ليقال محب للعلم وأهله, أو بذكر شواذ المسائل بين الحاضرين أو بالتوسع بذكر الشيوخ, كل ذلك لتحصيل الجاه والمنزلة بين السامعين, وقد كان بعض شيوخنا –حفظه الله- إذا سئل عن ترجمته أجاب بقوله: لا تعينوا الشيطان علينا, وإنما اسألوني عن ترجمة الشيخ أحمد يحي النجمي –رحمه الله- أو الشيخ ربيع أو زيد بن هادي المدخلي.
سبل العلاج والوقاية:
لكل داء دواء إلا السام, وتستوي في ذلك الأبدان والقلوب, وعلاج هذه الآفة يكون بأمور إذا تضافرت أثمرت نجاحا في تخليص العبد من ربق الرياء:
أولا: استحضار عظمة الخالق جل وعلا وأن النفع والضر بيده سبحانه وليس بيد من سواه. فلا يستحق أحد أن يراءى فيطلب ثناؤه أو يتقى ذمه قال صلى الله الله عليه وسلم لابن عباس: يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف.
قال ابن القيم: فإن قلت: وما الذي يسهل عليّ ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟ قلت: أما ذبح الطمع فيسهل عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلاّ وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره, ولا يؤتى العبد منها شيئا سواه, وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهل عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين, ويضر ذمه ويشين إلاّ الله وحده, كما قال ذلك الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: "إنّ مدحي زين وذمّي شين" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك الله عز وجل".
ثانيا: تذكر عاقبة المرائين في الدنيا والآخرة, فقد كان الحسن البصري يقول: من تزين للناس سوى ما يعلم الله منه شانه الله عز وجل. فعلق ابن القيم بقوله: لما كان المتزين بما ليس فيه ضد المخلص فإنه يظهر للناس أمرا وهو في الباطن بخلافه عامله الله بنقيض قصده فإن المعاقبة بنقيض القصد ثابتة شرعا وقدرا ولما كان المخلص يعجل له من ثواب إخلاصه الحلاوة والمحبة والمهابة في قلوب الناس عجل للمتزين بما ليس فيه من عقوبته أن شانه الله بين الناس لأنه شان باطنه عند الله وهذا موجب أسماء الرب الحسنى وصفاته العليا وحكمته في قضائه وشرعه.
هذا ولما كان من تزين للناس بما ليس فيه من الخشوع والدين والنسك والعلم وغير ذلك قد نصب نفسه للوازم هذه الأشياء ومقتضياتها فلا بد أن تطلب منه فإن لم توجد عنده افتضح فيشينه ذلك من حيث ظن أنه يزينه وأيضا فإنه أخفى عن الناس ما أظهر لله خلافه فأظهر الله من عيوبه للناس ما أخفاه عنهم جزءا له من جنس عمله.
¥