تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الخلفاء الأربعة الراشدين بقيةُ العشرة المشهود لهم بالجنة؛ فهم من السابقين الأولين، وهم من أهل الرواية والفتيا، وكل ما حصل بينهم من الخلاف فهو على الصدق والاجتهاد النزيه في تحرِّي الحق وإن كانت الإصابة في جهة واحدة، ولا سيما بعد العلم اليقيني بكيد ظلامي من يهود وأبناء البلدان المفتوحة من الأجناد الذين أظهروا لهؤلاء الفضلاء رضي الله عنهم خلاف الواقع .. ولضمانة الله بوعده الشرعي بحفظ الدين الصحيح ضَمِن لنا ربنا بقضائه الكوني القدري تحقُّقَ ذلك؛ فكان أهل الرواية والفتيا من الصحابة رضوان الله عليهم معروفين بأعيانهم إحصاءً وعدَّاً؛ فكل رواية لهم لجلال سيرتهم فهي على العدالة والصدق إلا ما أثبت التوثيق التاريخي أنه سهو أو جمع بين قصتين أو شك في الواقعة؛ فالنسيان والسهو لم يضمن الله عصمة العدول منه، ولكن ضمن لنا ربنا حِفْظَ ما حفظه آخرون وسها فيه آخر .. وأما الفتيا فهي على النزاهة والصدق في تحرِّي الحق؛ لجلال سيرتهم، ولكن حديث رسول الله غير مجموع في صدر صحابي واحد، ولكنه مُفرَّق في صدور الصحابة رضي الله عنهم؛ فيغيب عن واحد منهم ما علمه آخرون، وقد يُخطئ في الاستنباط، والمجتهد يُمحِّص ذلك بالبرهان اليقيني أو الرجحاني .. هذا كله في الأحكام المتعلِّقة بأفعال العباد كما أسلفتُ، وأما الأخبار فكل ما يتعلق بأسماء الله الحسنى فلا يحل لمسلم أن يحدث قولاً لم يقولوه، ولا يحل له أن يخالف ما قالوه؛ لأن التاريخ أثبت عصمتهم من البدعة، ومن الإلحاد في أسماء الله .. وأما الأخبار عن غيوب لا تقع إلا يوم القيامة فحكمها كذلك، وأما الأخبار عن غيوب تقع في الدنيا كحقيقة تغيير خلق الله، والخبر بأن الله سيخلق ما لايعلمون: فمن وقع في عهده انكشاف ذلك الغيب فسَّر النص الشرعي بما حدث قطعاً وإن خالف المأثور من الاجتهاد.

والأمر الضروري الآخر الذي وعدت به: أن ما حدث من بعض السلف الأول مما استوجب عتب الرب سبحانه فقد عفا الله عنه كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}، وإذْ ضمن الله لهم الجنة بدءاً فكل تقصير نادر يحدث لأحدهم لن يكون أبداً مخلاً بكونهم قدوة، ولا قادحاً في عدالة روايتهم وصدق اجتهادهم، وهم مغفور لهم يقيناً، ولقد لطف الله بهم في عتابه؛ فأدخل معهم صفوة الخلق إجمالاً، ثم استثنى تفصيلاً؛ فقال سبحانه وتعالى: {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (سورة التوبة 117)، والاستثناء في قوله تعالى: {فَرِيقٍ مِّنْهُمْ}، وذلك في غزوة تبوك، وأرجح قول في تفسير توبة الله على رسوله أن ذلك محمول على اجتهاده في الإذن للمنافقين الذين اعتذروا عن الذهاب لتبوك بأعذار كاذبة؛ للنص الصريح في قوله تعالى: {عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} (التوبة 43)، والقصة واحدة، والصواب أن المراد إذنه لهم بالقعود لا إذنه لهم بالخروج معه؛ لقوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} (التوبة 43)، فعدم الإذن لهم بالقعود يُظهر صدقهم أو كذبهم .. وهذا هو الميزان فيمن جاء بعد السلف الأول، وهو أن يكونوا على الاتِّباع بإحسان، ومن معاني الإحسان الإتقان .. وحدث بين أهل القبلة إلحاد في أسماء الله، وبِدعٌ عن تضليل، كما أن افتراق أمة محمدإلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قوي الصحة؛ لتضافر طرقه، وهذه الواحدة على من كان من أتباع السلف بإحسان فيما لا يسع فيه الخلاف، والوعد بالنار لا يقتضي أنهم كلهم مخلَّدون فيها، بل فيهم المخلد وغير المخلد، ولا تلازم بين البدعة والتبديع إلا مَن انسلخ من الدين من علماء السوء في فرق الباطنية .. وعدم التلازم لسعة أوجه العذر، ولكن من بُيِّنت له الحجة، وبُيِّن له ما يلزمه، ودُفِعت شبهته، وانقطعت حجته، والله يعلم من باطنه أنه معاند لهوى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير