تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لم تر البشرية خيراً مثلما رأت مع المسلمين، انتشر الأمن والأمان، وحلت البركة في الأعمار والأرزاق والذرية. ويتضح ذلك من مقارنة بين دولة الإسلام ودولة النصرانية التي حكمتها الكنيسة، ودولة العلمانيين بعد ذلك والتي تحكم من قرنين ونصف تقريباً إلى يومنا هذا. بل وأي دولة حكمت الناس في شرقها وغربها، ومن شاء لمحة عن ذلك ففي

كتاب (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟).

بملئ فمي أقول: سعدت بنا البشرية ولم تسعد بغيرنا. كنا مشعلاً يضيء وغيرنا ناراً تحرق، كنا مرتعاً زكياً عطراً آمناً، وغيرناً مستنقع آسن مظلم عفن.

هدف البشرية ليس العمارة

أنصت لأهل البرمجة العصبية اللغوية وطالعت في كتب علم النفس فوجدتهم يحللون (السلوك) أو بالأدق (السعي) ويتحدثون بأن الهدف من سعي كل إنسان هو تحقيق السعادة، فكل الناس يبحثون عن السعادة، لا عن عمارة الأرض ولا عن الرقي والحضارة. وهم تائهون. فالسعادة وهي الراحة والطمأنينة عندهم وعند غيرهم وهي غير اللذة، وغير النجاح. والراحة والطمأنينة أبداً لا تكون إلا في طاعة الله سبحانه وتعالى وعز وجل. {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد28، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} النحل97، وقال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} المطففين22

وقد فشلت الحضارة الحالية في تحقيق السعادة للناس، والاحصائيات التي تخرج من عندهم شاهد عليهم. بل قد نشرت الفساد، وزادت من أمراض الناس كما قد تقدم.

فغاية الناس الحقيقية عندنا وليست عند غيرنا. غاية البشرية ليست بيوت وطرق ومصانع ومزارع ـ ولا أزهد فيها أبداً ـ بل غايتهم الأولية السعادة، وهي لا تكون إلا بالإيمان بالله {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} التغابن11

كيف تعمر الأرض بمن لا يستهدف عمارة الأرض؟

حين يستقر الإيمان في النفوس ويتعرف الناس على ربهم، ويكثر الطيبون يتخصصون هذا يجاهد على الثغور، وذاك يعلم الناس، وهذا يميل للكمياء فينشط فيها، وهذا يميل للرياضيات وهذا يهوى البحر فيركبه طلبا لرزقه أو مجاهداً، أو باحثاً ...

يندفع الجميع حول هدفٍ واحدٍ في البداية نعم، وهو التوحيد، ومجاهدة المفسدين، ثم حين تستقر الأمور يتخصصون تلقائياً. فلا ينتدب الجميع للجهاد ولا يستطيعون، ولا ينتدب الجميع لطلب العلم ولا يستطيعون، ولا ينتدب الجميع للقيام بشئون الناس ولا يستطيعون. بل كل ينشط حيث يحسن. ولذا في النظام الإسلامي تسند المهام (المناصب) ولا تطلب، تعرض علينا حاجة معينة كتخطيط مدينة أو إقامة مصنع أو ظهور حاجة للناس في محصولٍ زراعي او صناعة أو علم شرعي أو غير شرعي فينظر ولاة الأمر في الناس وينتدبون مَن يصلح. . . هذا يحسن هذا الامر فيدعى اليه أو يفسح له. بخلاف ما يحدث في الأنظمة الأرضية. التي تسند فيها المهام العلمية والسياسية لمن لا يصلح لها فيفسد.

ولذا حين استقر الإسلام في البلدان نشأت العلوم الأخرى، وتقدم العلم ـ جملة ـ عندنا، فكانت حلق العلم في المساجد تضم أكثر بكثير مما تحتويه الجامعات في عصور النهضة في أوروبا ـ على سبيل المثال ـ، وكان الأمر تلقائيا، وكان المنتسبون للحلق مع كثرتهم محبون لما يفعلون، ولذا كانت ثمرتهم طيبة عطرة تسر من ينظر إليها ومن يستفيد منها. ثم ظهرت من عندنا الكمياء والطب (وأطباء النصارى كانوا مشغولين بإفساد ديننا بالتراجم ودراسة الفلسفة وتدريسها او تسويقها) وغيرهما من العلوم التقنية.

إن هذا هو التسلسل الطبعي .. إن هذا هو المسار الطبعي للتقدم التقني. . . لعمارة الأرض .. للإفادة من الناس كل بما يحسن ... لتحقيق الغاية الحقيقية في حياة الناس وهي السعادة.

وفي طاعة الله البركة

يعرف أحدنا هذا في نفسه، بل في يومه، فيوم تصلي فيه الفجر في جماعة وتجلس ساعة للذكر ليس كيوم تصلي فيه وتنصرف بلا ترديد للأذكار .. ليس كيوم تفوتك فيه الصلاة مع الناس ... ويعنيني هنا موضوع المداخلة مع شيخينا محمد صالح المنجد وهو عمارة الأرض.

أمر الله الأولين من هذه الأمة أن يسيروا في الأرض وينظروا، والنظر حسي ومعنوي كما يقول أهل التفسير، جاء الأمر بصيغة الحض وبصيغة الأمر، وجاء الأمر بالسير للنظر، وجاء الأمر بالنظر حال السير لغرضٍ آخر، جهادٍ أو تجارة. ولما كان المؤمن وقافاً عند أمر الله فهم المقصود منه أم لم يفهم راح هذا العربي الأمي المحب لله ـ سبحانه وتعالى ـ ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المعظم لأمر الله ـ سبحانه وتعالى وعز وجل ـ ينظر حال السير، فنشأ علوماً من هذا، بل حدث تحول نوعي في العلم التجريبي بسبب هذا!!

راح يسجل ملاحظاته على الجبال والأحجار فنشأ علم الجيولوجيا (علم الأرض)، وراح يسجل ملاحظاته على النباتات هذا عشبي وهذا ساقي وهذا ذو موسم واحد وهذا ذو موسمين فنشأ علم النباتات بما يحتويه من علوم أخرى.

تحول العلم من نظري كما كان مع اليونانيين إلى علم تجريبي يقوم على التجربة .. الرصد والتحليل فحدثت نقلة نوعية في العلوم التقنية أوجدت ما تراه عينك الآن. ولم يكن شيئاً من هذا مقصوداً بدية، وإنما فقط تعظيم أمر الله. جاء العلم التقني والتقدم والرقي وعمارة الأرض من طاعة الله وتعظيم أمره.

فليس ثم منهجان نختار بينهما ... توحيد الله وعمارة الأرض (تعمير الأرض)، إذ لا يوجد عمارة حقيقية في غير مرضاة الله. ولا يمكن لمن يتخلى عن التوحيد أن يعمر الأرض .. أن ينتفع به الخلق. هذا ما نقرأه في كلام ربنا، ويشهد عليه ما حولنا ومن حولنا، وتاريخ البشرية كلها.

محمد جلال القصاص

ظهر الجمعة

26 / شعبان /1431

06/ 08 /2010

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير