* واعلم أن الذي يسلط عليكِ وعليكَ إنما هو " الله تعالى " وكلُّه بأمرِ الله –جلَّ وعلا- قال تعالى [وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ] وقال في شأنِ اليهودِ [كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ] فالله الذي يطفئ شعل المصائبِ والمشاكِلِ, واعلم أنَّ هذا مما كسبت يداك, فكنْ حذراً من ذنوبكِ التي تسبب من أن يتسلّط عليكَ شراذمُ الخلقِ. فتب واستغفر إلى الله تعالى, فمع الاستغفار تنال لك الحياة السعيدة [وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ]. فلعلكّ ايها الزوج قد أسأتَ إليها من حيثُ لا تشعرُ فيحملُ ذلك نشوزها, فكن حكيما عارفاً, وباشر بإصلاحِ ما سبَّبَ ذلك من الزوجِةِ, فقد كانَ النبي عارفاً حال عائشة –رضي الله عنها- فقد روى الشيخانِ: عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قَالَتْ فَقُلْتُ مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ فَقَالَ أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ قَالَتْ قُلْتُ أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَك.
وكانتْ عائشةُ تتبَّع أحوالِ النبي –عليه السلام- من رضا وغضبٍ, ففي حديثِ الإفكِ تقول عائشة: وَهُوَ يَرِيبُنِى فِى وَجَعِى أَنِّى لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اللُّطْفَ الَّذِى كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِى إِنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ «كَيْفَ تِيكُمْ». فَذَاكَ يَرِيبُنِى.
{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}
الأمر الثاني: (واهجروهن في المضاجع) , فهذه المرتبةُ لا تكونُ للمرأةِ الصالحةِ التقيةِ, إنما المرأةُ العاصيةُ المخالفةِ التي تستحقُّ الهجْرانَ في المضجعِ لا غيرَ المضجعِ, وجميعُ ما ذكرَ من الأدلةِ توضِحُ أنَّ الرجلَ يكون في بيتهِ حال الهجرانِ, وتكون المرأة في بيتها, لا كما يفعل بعض الجهلةِ من طرد الزوجاتِ إلى أهلهنِّ, ولكن إن أرادَ الرجل أن يستتبَّ بعض الأمورِ فإنَّ الزوجَ يخرجُ من بيتهِ, وبخروجه أفضلُ من المرأةِ, وإن طلبتِ المرأة الذَّهابَ إلى أهلها فلتذهبْ ولا يمنعها زوجها حتى تهدأ المشاكِلُ بينَ الأزواجِ, فقد آلى النبي –عليه السلام- من نسائهِ شهراً, والإيلاءُ هو: الحلفُ. قال تعالى [لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌٍ] فمن حلَفَ لا يقربُ الزوجةَ "سنةً" فإنه يَنتظرُ إلى أربعةِ أشهرَ فإما أن يراجِعها وإمَّا أن يطلِّقها. قال تعالى- وقوله فوقَ كلِّ قولٍ -[إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَ].
وصورةُ الهجرانِ: اختلفَ الفُقَهاء –رحمه الله- فقَالَ بعضُهُم: أن يعطِي الرجل ظهرَه لها. وقال بعضهم: هو تركُ الجماعِ. وقال بعضهم: ترك السرير لها. هذه بعض الصورِ التي ذكرها العلماءُ, ولكنْ: ينتهي هذا الهجران بانتهاءِ النشوزِ بعد اعتذارِ الزَّوجَةِ, لأن علة الهجران " تأديب الزوجة بنشوزها " فإن حَصَل المقصود رجع الرجل, فالهجران كالدواء يُعطى بجرعاتٍ معينةٍ, فإن انقطع الداءُ انقطع الدواءُ, فلا يكونُ الهجرانُ ديناً ولا ديدناً.
* ولا بأسَ لأنْ يكونَ للزوجِ سريراً خاصاً وللزوجةِ سريراً خاصاً في غير الجماعِ, كما أنه جائزٌ بل الأصل في سريرٍ واحدٍ.
والواو هنا لا تقتضي ترتيبا في كل حال, وقد تأتي ويستأنسُ بها, كما قال "إن الصفا والمروة من شعائر الله" وقال عليه السلام: أبدأ بما بدأ الله به.
¥