تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبوعبدالله وابنه]ــــــــ[17 - 07 - 08, 06:33 م]ـ

قال ابن أبي العز في شرحه: [

فالحاصل أن نوع الحوادث هل يمكن دوامها في المستقبل والماضي أم لا؟ أو في المستقبل فقط؟ أو الماضي فقط؟

فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ لِأَهْلِ النَّظَرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ:

(1) أَضْعَفُهَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ، لَا يُمْكِنُ دَوَامُهَا لَا فِي الْمَاضِي وَلَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، كَقَوْلِ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَأَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ.

وَثَانِيهَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: يُمْكِنُ دَوَامُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي، كَقَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ.

وَالثَّالِثُ: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: يُمْكِنُ دَوَامُهَا فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا يَقُولُهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، وهِيَ مِنَ الْمَسَائِلِ الْكِبَارِ.

وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ يُمْكِنُ دَوَامُهَا فِي الْمَاضِي دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ.

(أ) وَلَا شَكَّ أَنَّ جُمْهُورَ الْعَالَمِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ يَقُولُونَ: إِنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ -تَعَالَى - مَخْلُوقٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا قَوْلُ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالْفِطْرَةِ أَنَّ كَوْنَ الْمَفْعُولِ مُقَارِنًا لِفَاعِلِهِ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مَعَهُ - مُمْتَنِعٌ مُحَالٌ، وَلَمَّا كَانَ تَسَلْسُلُ الْحَوَادِثِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (2) لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ هُوَ الْآخِرَ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، فَكَذَا تَسَلْسُلُ (3) الْحَوَادِثِ فِي الْمَاضِي لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْأَوَّلَ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ. فَإِنَّ الرَّبَّ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَتَكَلَّمُ إِذَا يَشَاءُ، قَالَ تَعَالَى: {قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}. وَقَالَ تَعَالَى: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}. وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}] اهـ.

فقد نص ابن أبي العز كما ينص شيخ الإسلام وغيره على أن دوام الفاعلية لا تنافي الأولية في الماضي ولا الآخرية في المستقبل، بل الرب عز مجده وجل ذكره هو الأول فليس قبله شيء والآخر فليس بعده شيء كما كان نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقول في مناجته له.

وهذا يقتضي نفي الأولية والآخرية عمن سواه فهو المنفرد بالأولية والآخرية جل جلاله، ونفي الأولية عمن سواه متضمن لنفي القدم الاصطلاحي لا القدم اللغوي الذي جاء به القرآن في نحو قوله تعالى:" والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم".

بل نفس فعل الخلق والتكوين منه جل وعلا مستلزم لحدوث المخلوق المكوَّن بعد أن لم يكن قط.

وتعلق فعل الرب تعالى وكذا كلامه بمشيئته أصل عظيم عند أئمة أهل السنة والحديث وبه فارقوا مقالة الكلابية الذين هم أقرب الطوائف إليهم، ولغموض هذه المسألة وكثرة التعصب المعمي والمصم قل التمييز بين محض السنة وبين مقالة الكلابية، وزاد الأمر خفاء التباسه على بعض أعلام المحدثين، وهذه المسألة هي التي جرت بين إمام الأئمة في وقته أبي بكر ابن خزيمة وبين أبي علي النيسابوري وأبي بكر بن إسحاق الصبغي، وأصحابهما المتأثرين بطريقة الكلابية ..

وهذه القضية مبسوطة في غير كتاب من المطولات، وهي تبين شدة غموض هذه المسألة، ولعل السبب في هذا الغموض من جهة ملابساتها أكثر مما هو منها في نفسها.

وقد أخبر الله سبحانه في سورة هود أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء، فالعرش والماء موجودان قبل هذا العالم، وكذا القلم كما ثبت في الحديث، وكلها حادثة مخلوقة بعد أن لم تكن الله تعالى خلقها وكونها وهو رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم

وإنما وقع الخلاف بين أهل العلم في أيها أسبق خلقاً وحدوثاً العرش أم القلم، والأكثر على أن العرش أقدم والنصوص شاهدة بذلك، ومن شواهده: أن القلم لم يذكر في سورة هود كالإشارة إلى أنه من متعلقات هذا العالم وإن وجد قبله وكتبت به مقادير الخلائق في الذكر قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما في الحديث الصحيح.

ولا راحة للقلب إلا بالتسليم لمقتضى جميع النصوص من الكتاب والسنة وتصديق بعضها ببعض وعدم إساءة الظن بها أو ضرب بعضها ببعض، ثم ترك التنقير فيما لا تطيقه العقول.

وقد قال تعالى في الحديث القدسي الثابت: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم.

فمن أبى الاستهداء أو تكبر عنه أو تشاغل باستهداء غيره عن استهدائه فالله تعالى محص ذلك عليه فيما هو محصيه ثم إنه تعالى موفٍ كلاً نصيبه غير منقوص إلا أن يعفو ويصفح، فمن وجد خير فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.

نسأل الله تعالى أن يسلك بنا أجمعين سبيل الخير والهدى، وأن يجنبنا الشر والضلال والردى، فإنا إن لم يهدنا ضلال، ولا حول ولا قوة لنا إلا به، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير