تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

احدها أن يكون التبرك بفعل طاعة مشروعة [6]، كصلاة، ودعاء، ورجاء القبول، وزيادة الأجر؛ لا بحمل تراب أو بخور و غيرهما من أجزاء المكان المتبرك به، أو الأشياء الموضوعة فيه ...

ثانيها: أن لا يحمل المتبرك غيره على التبرك، ولا أن يدعوه غليه، فلا ينصب شيء للعموم يتبركون به [7].

ثالثها: أن يتفق له المرور بمكان التبرك، لا أن يقصد إليه من بعيد و يقتحم السفر من أجله.

رابها: أن يكون من المعرفة بدينه [8] بحيث لا تضله خطرات النفس، ولا نزغات الشيطان، لا أن يكون ضعيف الإيمان قليل المعرفة)).

وقال أيضا في (ص358): ((وقد تقدم في الفصل الحادي عشر حديث السرحة التي سر تحتها سبعون نبيا، وزيارة النبي صلى الله عليه و سلم لقباء راكبا و ماشيا يصلي فيه ركعتين، وذلك يدل لمشروعية زيارة الأمكنة الفاضلة من غير سفر)).

أقول و بالله التوفيق:

ذهب الشيخ الميلي فيما سبق إلى جواز البرك بقبر النبي صلى الله عليه و سلم و توسع هنا فجوز التبرك بآثار الأنبياء و الصالحين.

وفي كلامه نظر من وجوه:

الوجه الأول: الصواب عدم جواز التبرك بآثار الأنبياء و الصالحين؛ لما تقدم ذكره في مسألة التبرك بقبر النبي صلى الله عليه و سلم، و أضيف هنا ما قاله ابن تيمية رحمه الله في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/ 694): ((من قصد بقعة يرجو الخير بقصدها، ولم تستحب الشريعة ذلك، فهو من المنكرات وبعضه أشد من بعض، سواء كانت البقعة شجرة أو غيرها، أو قناة جارية، أو جبلا، أو مغارة، وسواء قصدها ليصلي عندها، أو ليدعو عندها، أو ليقرأ عندها، أو ليذكر الله سبحانه عندها، أو لينسك عندها، بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرع تخصيص تلك البقعة به لا عينا ولا نوعا)) انتهى.

وقال أيضا في ((مجموع الفتاوى)) (27/ 503 - 504): ((لم يشرع الله تعالى للمسلمين مكانا يقصد للصلاة إلا المسجد، ولا مكانا يقصد للعبادة إلا المشاعر، فمشاعر الحج، كعرفة و مزدلفة و منى تقصد بالذكر و الدعاء و التكبير لا الصلاة، بخلاف المساجد، فإنها هي التي تقصد للصلاة، وما ثم مكان يقصد بعينه غلا المساجد و المشاعر، وفيها الصلاة و النسك ... وما سوى ذلك من البقاع فإنه لا يستحب قصد بقعة بعينها للصلاة ولا للدعاء ولا الذكر، إذ لم يأت في شرع الله و رسوله قصدها لذلك، وإن كان مسكنا لنبي أو منزلا أو ممرا؛ فإن الذين أصله متابعة النبي صلى الله عليه و سلم وموافقته بفعل ما امرنا به و شرعه لنا و سنه لنا، ونقتدي به في أفعاله التي شرع لنا الإقتداء به فيها، بخلاف ما كان من خصائصه، فأما الفعل الذي لم يشرعه هو لنا، ولا أمرنا به، ولا فعله فعلا سن لنا أن نتأسى به فيه، فهذا ليس من العبادات و القرب، فاتخاذ هذا قربة مخالفة له، وما فعله من المباحات على غير وجه التعبد يجوز لنا أن نفعله مباحا كما فعله مباحا، ولكن هل يشرع لنا أن نجعله عبادة و قربة؟ فيه قولان كما تقدم، وأكثر السلف و العلماء على انا لا نجعله عبادة و قربة، بل نتبعه فيه، فإن فعله مباحا فعلناه مباحا، وإن فعله قربة فعلناه قربة)) انتهى.

الوجه الثاني: لم يتحر الخلفاء الراشدون ولا غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم الصلاة أو الدعاء أو الذكر في الأماكن التي صلى فيها النبي صلى الله عليه و سلم فضلا عن الأماكن التي نزل فيها للراحة و نحوها، وهم أعلم الناس بسنة النبي صلى الله عليه و سلم وأسبقهم للخير، فدل ذلك على عدم جواز التبرك بآثاره صلى الله عليه و سلم ولا بآثار غيره من باب أولى.

الوجه الثالث: ما ورد عن عمر ري الله عنه من النهي عن ذلك، فعن المعرور بن سويد قال: ((خرجنا مع عمر ابن الخطاب، فعرض لنا في بعض الطريق مسجد، فابتدره الناس يصلون فيه، فقال عمر: ما شأنهم؟ فقالوا: هذا مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال عمر: أيها الناس، إنما هلك من كان قبلكم بإتباعهم مثل هذا، حتى أحدثوها بيعا، فمن عرضت له فيه صلاة فليصل، ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض)) [9]، علق عليه ابن تيمية بقوله: ((لما كان النبي صلى الله عليه و سلم لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه، بل صلى فيه؛ لأنه موضع نزوله، رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة، بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها، ونهى الملمين عن التشبه بهم في ذلك،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير