تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبناء المساجد على القبور واتخاذها مساجد وقع فيه أهل الكتاب، وجاءت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحذير من وقوع هذه الأمة فيما وقعوا فيه، ومنها ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وحال نزع روحه صلى الله عليه وسلم، وقد مرَّ ذكر أحاديث عائشة وابن عباس وجندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنهم الدالة على ذلك، ومنها حديث عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوّروا تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» رواه البخاري (427) ومسلم (1181)، وحديثها أيضاً قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالت: فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً» رواه البخاري (1330) ومسلم (1184) واللفظ له، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله اليهود؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» رواه البخاري (437) ومسلم (1185)، وروى الإمام أحمد في مسنده (3844) بسند حسن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد».

وهذه الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتملت على التحذير من اتخاذ القبور مساجد مطلقاً، وبعضها يفيد حصول ذلك منه قبل أن يموت بخمس، وبعضها يفيد حصول ذلك عند نزول الموت به، وفي ذلك أوضح دليل على أن هذا الحكم محكم غير منسوخ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ولم يعش بعده؛ حتى يكون هناك مجال للنسخ.

واتخاذ القبور مساجد يشمل بناء المسجد على القبر، كما قال صلى الله عليه وسلم في النصارى: «أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً، وصوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله»؛ ويشمل قصدها واستقبالها في الصلاة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» رواه مسلم (2251) من حديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه، ويشمل السجود على القبر من باب أولى؛ إذ هو أخص من الصلاة إليه، وفي مصنف عبد الرزاق (1581) عن معمر عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «رآني عمر بن الخطاب وأنا أصلي عند قبر، فجعل يقول: القبر! قال: فحسبته يقول: القمر! قال: فجعلت أرفع رأسي إلى السماء فأنظر، فقال: إنما أقول: القبر! لا تصلِّ إليه، قال ثابت: فكان أنس بن مالك يأخذ بيدي إذا أراد أن يصلي فيتنحّى عن القبور»، وهذا الأثر علّقه البخاري بمعناه قبل حديث عائشة عن أم حبيبة وأم سلمة في قصة الكنيسة التي رأينها في الحبشة الذي تقدّم قريباً.

والبناء على القبور حرام سواء اتُّخذت مساجد أو لم تُتَّخذ، وكذا كل تعظيم للقبور يؤدي إلى الغلو في أصحابها؛ ويدل لذلك حديث جابر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجصَّص القبر، وأن يُقعد عليه، وأن يُبنى عليه» رواه مسلم (2245).

ومثل البناء على القبور دفن الموتى في البنيان؛ لأنه بمعناه، ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبوراً» رواه البخاري (432) ومسلم (1820)، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر؛ إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة» رواه مسلم (1824)، وحديث أبي هريرة هذا أورده الحافظ في الفتح (3/ 530) وقال: «إن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقاً» وروى أبو داود (2042) بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلّوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» والنهي عن اتخاذ البيوت قبوراً يشمل ترك الصلاة فيها وترك قراءة القرآن وتشبيهها بالمقابر التي ليست محلاً للصلاة وقراءة القرآن؛ كما دلَّ عليه حديثا ابن عمر وأبي هريرة المتقدمان، ويشمل دفن الموتى في البيوت كما أشار إلى ذلك ابن حجر، وقال

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير