تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الذهبي في سير أعلام النبلاء (8/ 27): «وقد نهى عليه السلام أن يُبنى على القبور، ولو اندفن الناسُ في بيوتهم لصارت المقبرة والبيوت شيئاً واحداً»، وقال: «وأما دَفنُه في بيت عائشة صلوات الله عليه وسلامه فمختص به».

أقول: وأما دفن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في حجرة عائشة رضي الله عنها فإنما جاء تبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن فضل الله عز وجل على هذين الرجلين العظيمين أن جعلهما رفيقي رسول الله صلى الله عليه وسلم الملازمَين له في الدنيا، وجارَيه في قبره، وبعد البعث والنشور يكونان معه في الجنّة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

ولا يجوز أن يُصلَّى في المساجد التي بُنيت على قبور، والواجب هدم المسجد الذي بُني على القبر إذا كان القبر هو السابق، وإن كان الميت دُفن في المسجد فيجب نبشُه وإخراجه من المسجد، وأما مسجد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ففضله ثابت والصلاة فيه مضاعفة، وهي خير من ألف صلاة في غيره من المساجد إلاّ المسجد الحرام، كما ثبتت بذلك السّنّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء في ذلك ما كان قبل دخول القبر أو بعد دخوله.

وليس لأحد أن يتعلّق بوجود قبره صلى الله عليه وسلم في مسجده لتجويز بناء المساجد على القبور أو دفن الموتى في المساجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي بنى مسجده صلى الله عليه وسلم، وبنى بجواره بيوت أزواجه خارجاً منه، وبعد موته صلى الله عليه وسلم دُفن في بيت عائشة، وقد بقيت البيوت على ما هي عليه خارج المسجد في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وعهد معاوية رضي الله عنه، وفي عهد خلفاء آخرين من خلفاء بني أمية، وفي أثناء عهد بني أمية وُسع المسجد وأُدخل القبر فيه، وقد مرَّ ذكر جملة من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحذير من بناء المساجد على القبور، وهي أحاديث محكمة، منها ما قاله صلى الله عليه وسلم قبل موته بخمس، ومنها ما قاله في لحظاته الأخيرة صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز ترك هذه الأحاديث المحكمة والتعويل على عمل حصل في أثناء عهد بني أمية.

ولا يجوز أيضاً ترك الأخذ بالأحاديث المحكمة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم البناء على القبور واتخاذها مساجد والاستدلال على الجواز بقول الله عز وجل في أصحاب الكهف:] قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا [[الكهف: 21]؛ لأن الذي في الآية حكاية عزم أهل الغلبة فيهم على اتخاذ المسجد عليهم، وهذه الحكاية لا تدل على حمد الذي عزموا عليه، وهو من جملة فعل من كان قبلنا إن كانوا نفَّذوا ما عزموا عليه، وقد مرَّ في الأحاديث بيان أن اتخاذ المساجد على قبور الأنبياء والصالحين من فعل من قبلنا على سبيل الذم لهم، ونُهينا أن نفعل مثل أفعالهم، ولأن في الاستدلال بالآية على الجواز أخذاً بالمتشابه وتركاً للمحكم، ثم إن الاستدلال بالآية نظير الاستدلال بقصة بلقيس في سورة النمل على تولية المرأة وترك الأخذ بقوله صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» رواه البخاري (4425)، والاستدلال على عمل التماثيل بقوله تعالى:] يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ [[سبأ: 13] الآية، وترك الأخذ بقوله صلى الله عليه وسلم لعليّ: «أن لا تدع تمثالاً إلاَّ طمسته» الحديث وقد تقدّم، وانظر تفصيل رد الاستدلال بهذه الآية على الجواز في تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للشيخ الألباني رحمه الله (ص: 63).

وقد جلَّت المصيبة وعظُمت الفتنة فيما ابتلي به كثير من المسلمين في أقطارهم المختلفة من تعظيم القبور والبناء عليها واتخاذها مساجد وإسراجها ووضع الستور عليها، وذلك من أعظم الوسائل المفضية إلى إشراك أهلها مع الله ودعائهم والاستغاثة بهم وطلب الشفاعة منهم وسؤالهم قضاء الحاجات وكشف الكربات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير