تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأصحاب القبور يزارون ويُدعى لهم ولا يُدعَون، ويُطلب من الله لهم ولا يُطلب منهم شيء، لا دعاء ولا شفاعة ولا جلب نفع ولا دفع ضر؛ فإن ذلك إنما يُطلب من الله، والله سبحانه وتعالى هو الذي يُدعى ويُرجى، وغيرُه يُدعى له ولا يُدعى؛ والدليل على ذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في حياته يطلبون منه الدعاء فيدعو لهم، وبعد موته صلى الله عليه وسلم في حياته البرزخية ما كانوا يذهبون إلى قبره صلى الله عليه وسلم فيطلبون منه الدعاء، ولهذا لما حصل الجدب في زمن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس رضي الله عنه وطلب منه الدعاء، فقد روى البخاري في صحيحه (1010) عن أنس أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: «اللهم إنا كنّا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيُسقون»، ولو كان طلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته سائغاً لما عدل عنه عمر رضي الله عنه إلى الاستسقاء بالعباس.

وجاء في فتح الباري (2/ 495) قول الحافظ ابن حجر: «وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار - وكان خازن عمر - قال: «أصاب الناسَ قحطٌ في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! استسق لأمتك؛ فإنهم قد هلكوا، فأُتي الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر» الحديث، وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة».

وهذا الأثر في مصنف ابن أبي شيبة (12051) إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم إلى أبي صالح، وأما مالك الدار فمجهول، فلا يكون الأثر ثابتاً، وأيضاً الرجل السائل مبهم غير معروف، وأما تسميته ببلال بن الحارث المزني الصحابي فلا يصح؛ لأن الذي رواه سيف بن عمر وهو ضعيف لا يحتج به، وترجمته في تهذيب التهذيب مشتملة على ما قيل فيه من الجرح الشديد، وانظر تفصيل ذلك في كتاب «التوسل: أنواعه وأحكامه» للشيخ الألباني رحمه الله (ص: 116).

ويدل أيضاً لكون النبي صلى الله عليه وسلم لا يُطلب منه الدعاء بعد موته ما رواه البخاري في صحيحه (7217) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «وا رأساه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك، فقالت عائشة: وا ثكلياه! والله إني لأظنك تحب موتي ... » الحديث، فلو كان يحصل منه الدعاء والاستغفار بعد موته صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك فرق بين أن تموت قبله أو يموت قبلها صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث مبيِّن لقول الله عز وجل:] وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمً [[النساء: 64]، وأن المجيء إليه وحصول الاستغفار والدعاء منه إنما يكون في حياته وليس بعد موته صلى الله عليه وسلم، والسّنّة تفسر القرآن وتبيِّنه وتوضّحه.

وجوب العناية من العلماء والدعاة ببيان توحيد الألوهية

تبيّن مما تقدّم من نصوص الكتاب والسّنّة أن توحيد العبادة هو حق الله على العباد، وأنه للتكليف به خُلق الجن والإنس، وأنَّ الرسل الكرام جميعاً دعوا أممهم إليه، وأن من استجاب لدعوة الرسل فهو المؤمن السعيد، وأن من أعرض عنها فهو الكافر الشقي الطريد، وأنه أعظم مأمور به، وأن ضده الشرك أعظم منهي عنه، وأن أول أمر في القرآن الأمر بعبادة الله، وأول نهي فيه النهي عن اتخاذ الأنداد له، وأنه أول شيء دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه أول شيء يبدأ به الدعاة إلى الله، وأن به بَدْء الحياة السعيدة وختمها، وأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ختم حياته بالتحذير من الإخلال به والوقوع في الوسائل المفضية إلى الشرك، وأن الثواب على التوحيد أعظم ثواب، وأن العقوبة على الشرك أعظم عقاب، وأن منتهى السفه وأعظم الإجرام أن يعبد المخلوق مخلوقاً مثله ويجعله شريكاً للخالق، وأن أسوأ الذرائع المفضية إلى المحرَّمات الوسائل المؤدية إلى الشرك، وهذا كله يبين الأهمية البالغة لهذا النوع من التوحيد، وأن الواجب على العلماء والدعاة إلى الله عز وجل أن يُعنوا ببيانه غاية العناية ويهتموا به غاية الاهتمام؛ ليقوموا بأداء ما أوجبه الله عليهم من البيان ويَسلموا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير