ومنها: كُلُّ قرية افتتحت عُنْوَة فلم ير الإمام أن يردها إلى الذين أخذت منهم ولكنه قسمها بين اللذين افتتحوها كفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر. فهذه أمصار المسلمين التي لاحظ لأهل الذِّمةِ فيها، إلاَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعطى خيبر اليهود معاملة لحاجة المسلمين كانت إليهم، فلما استغنى عنهم أجلاهم عمر وعادت كسائر بلاد الإسلام. فهذا حُكم أمصار العرب وإنما نرى أصل هذا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» وفي ذلك آثار» ثم ذَكَرَها.
وعن ابن عمر قال: أجلى عمر رضي الله عنه المشركين من جزيرة العرب وقال: «لا يجتمع في جزيرة العرب دينان». وضرب لمن قدم منهم أجلاً قَدْرَ ما يَبِيعُونَ سِلَعهم».
وجاء أهل نجران إلى علي رضي الله عنه فقالوا: شفاعتك بلسانك، وكتابك بيدك أَخْرَجَنَا عمر مِن أرضنا فرُدَّها إلينا، فقال: «ويلكم إنَّ عُمر كان رشيدَ الأمر فَلاَ أُغَيِّر شيئاً صَنَعَهُ عمر».
ومن الآثار: ما رواه الإمام أحمد عن معمر قال: كَتَبَ عمر بن عبد العزيز إلى عروة يعني ابن محمد أن يهدم الكنائس التي في أمصارها المسلمين قال: «وشهدت بهدم الكنائس التي في أمصار المسلمين».
وقال طاووس رضي الله عنه: «لا ينبغي لبيت رحمة أن يكون عند بيت عذاب». قال أبو عبيد: «أراه يعني الكنائس والبيع وبيوت النيران».
أقوال علماء المذاهب الفقهية الأربعة
* الحنفية:
قال الإمام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة: «لا ينبغي أن تترك في أرض العرب كنيسة ولا بيعة ولا يباع فيها خمر وخنزير مِصْراً كان أو قرية».
المالكية:
* وأما أصحاب مالك فقال في «الجواهر»: «إنْ كانوا في بلدةٍ بناها المسلمون فلا يُمَكَّنُونَ مِن بناءِ كنيسةٍ، وكذلك لو ملَكْنا رقبةَ بلدةٍ مِن بلادهم قهراً، وليس للإمام أنْ يُقِرَّ فيها كنيسةً بل يَجِبُ نَقْضُ كنائسهم بها. أمَّا إذا فُتِحَت صُلْحاً على أن يسكنوها بخراج ورقبة الأبنية للمسلمين وشرطوا إبقاء كنيسة جاز» «عقد الجواهر الثمينة» لابن شاس (1/ 331).
وقال الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي المالكي في كتابه «سراج الملوك» (383) في حكم الكنائس: «أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن تُهْدَمَ كُلُّ كنيسة لم تَكُنْ قَبْلَ الإسلام، ومَنَعَ أنْ تُحْدَث كنيسة، وأَمَرَ أن لا يظهر صليب خارجٌ من الكنيسة إلا كسر على رأس صاحبه.
وكان عروة بن محمد [عامل عمر بن عبد العزيز باليمن] يهدمها بصنعاء وهذا مذهب علماء المسلمين أجمعين.
وشدد في ذلك عمر بن عبد العزيز وأمر أن لا يترك في دار الإسلام بيعة ولا كنيسة بحال قديمة ولا حديثة. وهكذا قال: الحسن البصري قال: مِن السُّنة أن تُهْدَم الكنائس التي في الأمصار القديمة والحديثة ويمنع أهل الذمة من بناء ما خرب» اه.
الشافعية:
* وقال الإمام الشافعي في المختصر: «ولا يحدثوا في أمصار المسلمين كنيسة ولا مجتمعا لصلواتهم ولا يظهرون فيها حمل الخمر ولا إدخال خنزير ولا يحدثوا بناء يطولون به على بناء المسلمين ... ».
* وقال ابن جماعة: «وليس لهم إحداث كنيسة أو دير أو صومع في بلاد أحدثها المسلمون: كالقاهرة، والبصرة، والكوفة.
ولا في بلد أسلم أهلها: كالمدينة النبوية، واليمن.
ولا في بلد فتحها المسلمون عنوة: كمصر، وبر الشام، وبعض بلاده.
فكلُّ ما احدث من الكنائس في هذا النوع وجبَ هَدْمُهُ.
وأمَّا الكنائس القديمة قبل الإسلام، فإن كانت في بلد فتح عنوة: كمصر، وبر الشام وبعض بلاده، وجبَ هدمها.
وإن كانت في بلاد فتحت صلحاً، وشرطوا في صلحهم بقاء كنائسهم بقيت» اهـ.
وقال النووي في «الروضة»: «ونمنعهم من إحداثَ كنيسةٍ في بلد أحدثناهً، أو أسلمَ أهلهُ عليه.
وما فُتِحَ عنوة لا يُحْدِثونها فيه [يعني: الكنيسة]، ولا يُقرُّونَ على كنيسة كانت فيه على الأصح، أو صلحاً بشرطِ الأرضِ لنا ن وشرط إسكانهم، وإبقاءِ الكنائس جازَ، وإن أُطلِقَ فالأصحُّ المنعُ».
الحنابلة:
¥