ينقسم الناس إلى أقسام بالنسبة لالتزام المذاهب.
القسم الأول: من ينتسب إلى مذهب معين لظنه أنه أقرب المذاهب إلى الصواب، لكنه إذا تبين له الحق اتبعه وترك ما هو مقلد له، وهذا لا حرج فيه، وقد فعله علماء كبار كشيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله بالنسبة لمذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، فإنه- أعني ابن تيمية- كان من أصحاب الإمام أحمد ويعد من الحنابلة، ومع ذلك فإنه حسب ما اطلعنا عليه في كتبه وفتاويه إذا تبين له الدليل اتبعه ولا يبالي أن يخرج بما كان عليه أصحاب المذهب، وفعله كثيرا، فهذا لا بأس به؛ لأن الانتماء إلى المذهب ودراسة قواعده وأصوله يعين الإنسان على فهم الكتاب والسنة وعلى أن تكون أفكاره مرتبة.
القسم الثاني: من الناس من هو متعصب لمذهب معين يأخذ برخصه وعزائمه دون أن ينظر في الدليل، بل دليله كتب أصحابه، وإذا تبين الدليل على خلاف ما في كتب أصحابه ذهب يؤوله تأويلا مرجوحا من أجل أن يوافق مذهب أصحابه، وهذا مذموم وفيه شبه من الذين قال الله فيهم (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا (60) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا (61)) وهم وإن لم يكونوا بهذه المنزلة لكن فيهم شبه منهم فهم على خطر عظيم؛ لأنهم يوم القيامة سوف يقال لهم ماذا أجبتم المرسلين، لا يقال: ماذا أجبتم الكتاب الفلاني، أو الكتاب الفلاني، أو الإمام الفلاني.
القسم الثالث: من ليس عنده علم وهو عامي محض فيتبع مذهبا معينا؛ لأنه لا يستطيع أن يعرف الحق بنفسه، وليس من أهل الاجتهاد أصلا، فهذا داخل في قول الله سبحانه وتعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون))) [مجموع الفتاوى ص 285 - 286/ 26]
وقال الشيخ صالح الفوزان في رده على الرفاعي الذي: ((لقد كفرتم الصوفية، ثم الأشاعرة، وأنكرتم واستنكرتم تقليد واتباع المذاهب الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل)) ووافقه عليه البوطي فأجابه بقوله: ((ونقول لهذا المفتري: بأي كتاب كفرنا هؤلاء؟ وبأي كتاب أنكرنا اتباع المذاهب الأربعة؟ لكن الأمر كما قيل
لي حيلة فيمن ينم ** وليس في الكذاب حيله
من كان يخلق ما يقول ** فحيلتي فيه قليله)) [البيان بالدليل لما في نصيحة الرفاعي والبوطي من الكذب الواضح ص 7 – 8]
قوله: ((ثالث عشر: اعتقد قبل كل هذا وبعده، أن إعفاء اللحية هو ركن الإسلام (السادس) الذي أغفل ذكره رواة الحديث الذين ذكروا أركان الإسلام وجعلوها خمسة فقط بينما هي (ستة) تماما، وقل: إن أئمة المذاهب تآمروا على الإسلام فلم يجعلوا توفير اللحية شرطا لصحة الإسلام أو الإيمان أو الإحسان، ولم يجعلوا ترك إعفائها مفسدا للصلاة والصوم والزكاة والحج جميعا، ولم يقولوا: إن ترك إعفائها ردة تخرج من دين الله، وأنه لا يطلق على الحليق لفظ مسلم أبدا بأي وجه، ولا بأي تأويل، ولا بأي دليل، مهما صلى وصام وزكى وحج والتزم حدود الله، وأن الحليق مستوجب لعقوبة الردة والحرابة))
قلت: قاتل الله الكذب وأهله، فأين قال السلفيون أن إعفاء اللحية هو الركن السادس من أركان الإسلام، ألا يستحي أو يتقي الله عز وجل أما اعتقادهم بأن أركان خمسة فقد قال ابن باز: ((وهذا الدين العظيم وهو الإسلام يقوم على أسس وقواعد خمس: وهي أركانه , كما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت».
فالشهادتان أول أركان الإسلام وأهمها , وهذه الكلمة العظيمة ليست عبادة تنطق باللسان فحسب , وإن كان بهما يصبح مسلما ظاهرا , بل الواجب العمل بمدلولهما , ويتضمن ذلك إخلاص العبادة لله وحده , والإيمان بأنه المستحق لها , وأن عبادة ما سواه باطلة ... الخ)) [مجموع الفتاوى ص 206/ 2]
وقال الألباني: ((هذا و في الحديث فائدة فقهية هامة، و هي أن شهادة أن لا إله إلا الله تنجي قائلها من الخلود في النار يوم القيامة و لو كان لا يقوم بشيء من أركان الإسلام الخمسة الأخرى كالصلاة و غيرها ... الح)) [سلسلة الأحاديث الصحيحة ص 175/ 1]
وقال ابن عثيمين: ((أركان الإسلام: أسسه التي ينبني عليها، وهي - خمسة - مذكورة فيما رواه - ابن عمر رضي الله عنهما - عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «بني الإسلام على خمسة: على أن يوحد الله (وفي رواية على خمس): شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج ". فقال رجل: الحج، وصيام رمضان، قال: لا، صيام رمضان، والحج. هكذا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم». متفق عليه. واللفظ لمسلم)) [مجموع الفتاوى ص 103/ 5]
فهذه أقوال علماء السلفية تثبت أن للاسلام خمسة أركان وليست ستة كما يدعي صاحب المقال، ولا حول ولا قول ولا قوة إلا بالله.
أما قوله: ((وقل: إن أئمة المذاهب تآمروا على الإسلام فلم يجعلوا توفير اللحية شرطا لصحة الإسلام أو الإيمان أو الإحسان، ولم يجعلوا ترك إعفائها مفسدا للصلاة والصوم والزكاة والحج جميعا، ولم يقولوا: إن ترك إعفائها ردة تخرج من دين الله، وأنه لا يطلق على الحليق لفظ مسلم أبدا بأي وجه، ولا بأي تأويل، ولا بأي دليل، مهما صلى وصام وزكى وحج والتزم حدود الله، وأن الحليق مستوجب لعقوبة الردة والحرابة))
فأقول: ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستحي فافعل ما شئت)) [وراه البخاري] فكاتب هذا المقال لم يستح من الكذب فقال ما قال.
يبتع ...
¥