تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" وكان السلف ينسبون تأويل هذه الآيات والأحاديث الصحيحة إلى الجهمية؛ لأن جهماً وأصحابه أول من أشتهر عنهم أن الله تعالى منزه عما دلت عليه هذه النصوص بأدلة العقول التي سموها أدلة قطعية هي المحكمات، وجعلوا ألفاظ الكتاب والسنة هي المتشابهات فعرضوا ما فيها على تلك الخيالات، فقبلوا ما دلت على ثبوته بزعمهم، وردوا مادلت على نفيه بزعمهم، ووافقهم على ذلك سائر طوائف أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم.

وزعموا أن ظاهر ما يدل عليه الكتاب والسنة تشبيه وتجسيم وضلال، واشتقوا من ذلك لمن آمن بما أنزل الله على رسوله اسماء ما أنزل الله بها من سلطان، بل هي افتراء على الله، ينفرون بها عن الإيمان بالله

ورسوله.

وزعموا أن ما ورد في الكتاب والسنة من ذلك - مع كثرته وانتشاره - من باب التوسع والتجوز، وأنه يحمل على مجازات اللغة المستبعدة، وهذا من أعظم أبواب القدح في الشريعة المحكمة المطهرة، وهو من جنس حمل الباطنية نصوص الإخبار عن الغيوب كالمعاد والجنةوالنار على التوسع والمجاز دون الحقيقة، وحملهم نصوص الامروالنهي على مثل ذلك،وهذا كله مروق عن دين الإسلام " ا. هـ

وهكذا فكل تأويلات الجهمية والمعتزلة للصفات كان السلف ينكرونها عليهم وأكثرها مشتركة بينهم وبين الأشاعرة، كتأويل صفة الوجه بالذات وتأويل اليد بالقدرة أو القوة أو النعمة، وكتأويل الاستواء بالاستيلاء وكتأويل الضحك والمحبة والنور وغيرها

وسأبين في فرصة لاحقة بالنقول الموثقة تأويلات الأشاعرة هذه وغيرها وكيف أنها نفسها أنكرها السلف على المعتزلة والجهمية وباعتراف جماعة من الأشاعرة.

فالسلف كانوا ينكرون التأويل قطعا وأدلة إنكارهم والله أكثر من أن تحصر.

فهل مع هذا يكون صادقا من يزعم أن السلف تركوا التأويل لعدم

وجود سببه ولو وجد السبب لقالوا بالتأويل؟!!

إنه العناد والتعصب للمذهب وما هذا بحال أهل الأمانة.

ومنه تعلم أن هذه الدعوى منافية للصدق وقائمة على تزوير الواقع ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أم يظن الأشاعرة أن إنكار المعتزلة والجهمية للصفات كان إنكار جحد

للنصوص القرآنية وغيرها؟!

فهذا ما لا يدعيه صادق أو من شم رائحة العلم بهذه المسائل، إذ نصوص القرآن مليئة بذكر الصفات بشهادة عامة الأشاعرة وما جحدت الجهمية ولا المعتزلة تلك الآيات من أصلها وإنما جحدت معانيها تأويلا كحال الأشاعرة تماما.

فإنكار المعتزلة والجهمية للصفات باتفاق هو إنكار تأويل وهذا هو الذي حذر منه السلف واشتد نكيرهم عليه.

مع أنني أنبه إلى اضطراب الأشاعرة في هذه الدعوى.

فبين معترف بحدوث التأويل وعدم وروده عن السلف وهم الأكثر وبين مدّع أنه مأثور عنهم معترف بقِلّته، وبين متجاهل زاعم أنه كان أحد قوليهم وهم قلة

والجميع على اضطرابهم متورطون في تحريف الواقع السابق، وهكذا كل طائفة تخالف الحق فلا يمكن أن تتفق أبدا.

ولم أر طائفة يكثر اختلافها واضطرابها وتناقضها كالأشاعرة، وبسط

هذا له محله.

وأنبه إلى أن هؤلاء مع ما هم واقعون فيه من مخالفة معاني القرآن والسنة نفسها بما ذهبوا إليه مما أسموه تأويلا ومع مخالفتهم ومشاقتهم لسبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين وتابعيهم الذين كانوا نابذين

للتأويل بل ومنكرين له عندما وقع من أهل البدع.

فهم بتأويلهم هذا قد وقعوا في تحريف القرآن والسنة تحت هذا الستار (التأويل) مستغلين ما يسمونه بالمجاز موهمين أنه لأجل دفع التشبيه، الذي لا يوجد في الحقيقة إلا في عقولهم لا في القرآن والسنة.

ودليل أنهم يستخدمون التنزيه ونفي التشبيه كمطية وغلاف وشعار ليغطوا به تكذيبهم بالنصوص، أنهم لم يكتفوا برد النصوص الظاهرة التي لها دلالة الظاهر فقط بل كذبوا بالنصوص المحكمة التي لها دلالة النص الذي لا يقبل التأويل، تحت نفس الستار، في خطوة مفضوحة لدى كل من علم شيئا من أصول العلم بل وكل من رزق سلامة الفهم

وهذا اعتراف بعدم قبول جملة من نصوص الصفات للتأويل من أحد أكبر أئمتهم وهو الفخر الرازي

حيث قال عند تعداده للأوجه الموجبة لترك الاستدلال بأخبار الآحاد فقال:

" إن الأخبار المذكورة في باب التشبيه [يقصد باب الصفات] بلغت

مبلغاً كثيراً في العدد، وبلغت مبلغاً عظيماً في تقوية التشبيه، وإثبات

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير