يقول الإمام الأمين الشنقيطي تعليقا على كلام الصاوي:
" والحق الذي لا شك فيه أن هذا القول لا يقوله عالم، ولا متعلم، لأن ظواهر الكتاب والسنة هي نور الله الذي أنزله على رسوله
ليستضاء به في أرضه وتقام به حدوده، وتنفذ به أوامره، وينصف به بين عباده في أرضه.
والنصوص القطعية التي لا احتمال فيها قليلة جداً لا يكاد يوجد منها إلا أمثلة قليلة جداً ...
والغالب الذي هو الأكثر هو كون نصوص الكتاب والسنة ظواهر.
وقد أجمع جميع المسلمين على أن العمل بالظاهر واجب حتى يرد دليل شرعي صارف عنه، إلى المحتمل المرجوح، وعلى هذا كل من تكلم في الأصول.
فتنفير الناس وإبعادها عن كتاب الله، وسنة رسوله، بدعوى أن الأخذ بظواهرهما من أصول الكفر هو من أشنع الباطل وأعظمه كما ترى " ا. هـ
وطبعا المراد بظواهر النصوص (اتفاقا) هي المعاني الواضحة للنصوص المتبادرة إلى الذهن عند قراءتها.
ونحن أهل السنة أتباع السلف نقول عن ظواهر القرآن والسنة المشتملة على ذكر صفات الله كالسمع والبصر والرحمة والنور والفرح
واليدين والوجه والعلو ونحوها من الصفات نقول بأنها على ظاهرها
المشتهر في اللغة المعروف عند عامة العرب، وهي صفات حقيقية وليست مجازية ولكنها تليق بالله الذي ليس كمثله شيء فهي لا تماثل
صفات المخلوق ولا تشابهها
غير أنها تشترك في أصل المعنى فقط كالسمع فهو عند الخالق والمخلوق إدراك وتمييز للأصوات إدراكا وتمييزا حقيقيا
لكنهما يختلفان في الكيفية وحقيقة الصفة، فسمع الله أكمل وهو يشمل الأصوات وإن بعدت أو ضعفت أما سمع المخلوق فهو قاصر لا يدرك إلا ما قرب ووضح.
وهكذا كل الصفات لا نتجنب شيئا مما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله، فنثبت (دون تردد) ما جاء به النص على المعنى الذي يدل عليه ظاهره.
مع اعتقادنا أنه على ما يليق بكماله تعالى، دون مماثلة أو مشابهة للمخلوق.
وكما أنه موجود وحي وله علم وسمع وبصر وإرادة وهذا باتفاق مع الأشاعرة، ولم يكن مُشْكلا عندهم أن المخلوق كذلك موجود حي وله علم وسمع وبصر وذات، ولم يدفعهم هذا إلى تنزيه الله عن هذه الصفات، ولا اعتبارها أعراضا كما تلزمهم المعتزلة، ولا إلى توهم
التشبيه بإثباتها
لأن النافي لهذا التوهم عندنا جميعا هو أنها في حق الخالق على وجه الكمال منزهة عن المشابهة وفي حق المخلوق على وجه النقص، فوجود الله ليس كوجود المخلوق وشتان، وحياة الله ليست كحياة المخلوق وسمع الله ليس كسمع المخلوق ...
وكذلك لله غضب حقيقي ليس كغضب المخلوق وفرح حقيقي ليس
كفرح المخلوق وعلو حقيقي ليس كعلو المخلوق ووجه حقيقي ليس كوجه المخلوق ...
ومن زعم أنه يلزم التشبيه من إثبات اليدين والغضب والفرح والعلو والوجه ونحوها مع كون النصوص نطقت بها فقد ناقض نفسه وفرق بين الصفات دون دليل.
فكلها قد جاءت بها النصوص وكلها يتصف المخلوق بها كما أن الخالق يتصف بها على فرق بينهما في حقائقها.
فلماذا هذه في إثباتها تشبيه وتلك لا يلزم من إثباتها التشبيه أهي المزاجية أم الهوى أم السفسطة المكسوة والمغلفة بغلاف العقل غشا وخداعا؟
وإنكار هذا التفريق قد درج عليه العلماء ولم نستنتجه من عندنا، ولا أتى به ابن تيمية من كيسه كما يصوره خصومه افتراء وزورا
فهذا الإمام الأشعري يقول في الإبانة:
فقالوا: اليد إذا لم تكن نعمة في الشاهد لم تكن إلا جارحة.
قيل لهم: إن عملتم على الشاهد وقضيتم به على الله عز وجل فذلك لم نجد حياً من الخلق، إلا جسماً لحماً ودماً، فاقضوا بذلك على الله عز وجل.
وإلا فأنتم لقولكم متأولون ولاعتلالكم ناقضون.
وإن أثبتم حياً لا كالأحياء منا.
فلم أنكرتم أن تكون اليدان اللتان أخبر الله عز وجل عنهما، يدين ليستا نعمتين لا جارحتين ولا كالأيدي؟ " ا. هـ
وقال الإمام مرعي الحنبلي في أقاويل الثقات:
" وقال بعض المحققين من الشافعية:
والذي شرح الله صدري في حال المتكلمين الذين أولوا الإستواء بالإستيلاء والنزول بنزول الأمر واليدين بالنعمتين والقدرتين أنهم ما فهموا في صفات الرب إلا ما يليق بالمخلوقين فما فهموا عن الله تعالى استواء يليق به ولا نزولا يليق به ولا يدين تليق بعظمته بلا تكييف ولا تشبيه فلذلك حرفوا الكلم عن مواضعه وعطلوا ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله.
¥