وأي فرق هذا الذي جعل الأشاعرة لا يستلزمون في الذات ما استلزموه في اليد والوجه؟
أليس الله (ليس كمثله شيء) لا في ذاته ولا في أسمائه ولا صفاته؟
كيف عقلتم مع انتفاء المثلية ومع اعتقاد أن الله أحد لا نظير له أنه يلزم في حقه ما هو مشاهد في المخلوق؟
مع أنكم لم تعقلوا هذا في الذات، وأثبتُّم لله ذاتا؟
وهذا إلزام ألزمهم به أهل العلم ووالله لا يمكنهم رده إلا مكابرة وعنادا وسفسطة ومراوغة.
والدليل على عجزهم عن الجواب أن أحد كبار الأشاعرة بل كبيرهم الرازي ليفِرّ من هذا الإلزام خالف الإجماع وأتى بما لم يسبق إليه وبما يدل على العجز، ويكفيك من شر سماعه.
فقد ذهب إلى أن قوله تعالى: (ليس كمثله شيء) إنما هو خاص بالذات أما صفاته تعالى كالعلم والقدرة فلا تدخل في الآية وهي مماثلة لصفات المخلوق.
قال الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب:
" ويمكن إيراد هذه الحجة على وجه آخر فيقال إما أن يكون المراد لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى ْء في ماهيات الذات أو أن يكون المراد ليس كمثله في الصفات شيء والثاني باطل ... فثبت أن المراد بالمماثلة المساواة في حقيقة الذات فيكون المعنى أن شيئاً من الذوات لا يساوي الله تعالى في الذاتية " ا. هـ
وهذا فهم أصحاب المقصات، الذين لا يفهمون النصوص إلا قصا وتقطيعا وحذفا وتحريفا! فأين قوله تعالى معها مباشرة (وهو السميع البصير) فالآية بإجماع العلماء تنفي مثلية الذات والصفات، بل تنفي
مثلية الصفات بالمنطوق، فبأي عين شوهد المفهوم وحجب المنطوق إنه العجز عن الجواب الذي دفع هؤلاء إلى التعلق بالمفاهيم المبتورة.
وبغض النظر عن المثلية التي يعنيها الرازي فهذا لا يسوّغ القص والقطع والحذف والتحريف
فالآية صريحة في نفي المثلية عن الله ذات وصفات وعلى هذا أجمع العلماء
والمثلية المنفية في الآية واحدة وهي نفسها نفيت عن الذات وعن الصفات
فليس من سبيل لتسويغ القص والتحريف.
وأتمنى من إخواننا أن يستفيدوا من مثل هذه الخروقات للإجماع التي تكشف حقيقة القوم:
ـ من جهة عدم انضباطهم بما عليه علماء أهل السنة.
ـ ومن جهة ما يعكسه هذا الخرق من عجز عن التفريق بين ما يستلزمه إثبات الذات وما تستلزمه صفة اليد والوجه ونحوها
ثم ذهب الرازي يضيف إلى هذا القص والتحريف كلاما لا يشك من أوتي عقلا أنه غاية في الضعف ليس هذا محل نقده
والذي يدل على انعدام جواب علمي للأشاعرة على ما سبق اعتراف
أحد كبارهم وهو الآمدي بأن الإيمان بالظواهر في نصوص الصفات وإثبات الصفات على ضوء معانيها الظاهرة لا يستلزم ـ عقلا ـ التشبيه بل من الجائز أن يكون إعمالها صحيحا مع اعتقاد بأنها ليست على نحو صفاتنا.
واعتراف الخصم في مسألة يدل على شعوره بانعدام الحجة فيما اعترف فيه وهو الواقع هنا
ففي غاية المرام له يقول:
" فإن قيل بأن ما دلت عليه هذه الظواهر من المدلولات وأثبتناه بها من الصفات ليست على نحو صفاتنا ولا على ما نتخيل من أحوال ذواتنا بل مخالفة لصفاتنا كما ان ذاته مخالفة لذواتنا وهذا مما لا يقود إلى التشبيه ولا يسوق إلى التجسيم
فهذا وإن كان في نفسه جائزا لكن القول باثباته من جملة الصفات يستدعى دليلا قطعيا وهذه الظواهر وإن أمكن حملها على مثل هذه المدلولات فقد أمكن حملها على غيرها أيضا ومع تعارض الاحتمالات وتعدد المدلولات فلا قطع وما لا قطع عليه من الصفات لا يصح إثباته للذات " ا. هـ
فالآمدي وإن لم يرجح الأخذ بالمعاني الظاهرة لنصوص الصفات إلا أنه يراه أمرا جائزا في نفسه، وممكنا كإمكانية نفي تلك المعاني، ولا يرى
حسب هذا الاعتراف مانعا عقليا ولا شرعيا من إعمال هذه الظواهر المقررة للصفات إلا أن إثباتها لم يأت من طريق قطعي
فالمانع فقط بنص كلامه هو عدم وجود دليل قطعي يثبت تلك الصفات التي جاءت بها الظواهر، وهذا ينفي أن يكون هناك دليل قطعي يمنع من
قبول وإثبات تلك الصفات
فهذا اعتراف ثمين من أشعري كبير يبدد جحود وعناد الأشاعرة بما فيهم الآمدي نفسه
فلطالما لهجوا بأن العقل يحيل ويمنع من وصف الله بتلك الصفات حقيقة والتي جاءت بها ظواهر النصوص كالفوقية والغضب والفرح واليدين والوجه والضحك
¥