كل هذه الصفات ونحوها على حقيقتها قد لهج الأشاعرة بأن العقل يحيلها والقواطع العقلية تمنع من صحة اتصاف الله بها وأن القواطع الشرعية والعقلية تقضي بأنها صريحة في التشبيه
ما هو جوابهم إن قلنا لهم:
إن كان العقل الأشعري قد اعترف بخلاف زعمكم وجوز ما منعتموه ونقض ما نسجتموه وأبطل ما صدعتم به رؤوس الناس وأقر ما قرره غيركم من عقليات تُناقض ما تلهجون به، فلماذا هذه المصادرة ولماذا
تجحدون وتزعمون عنادا أن العقل إنما قد أتى بأصولكم المتناقضة؟
هؤلاء حصل لهم أشبه بما يعرف بغسيل المخ عن طريق تضخيم هاجس
الخوف من التشبيه
وتحت ستار نفي التشبيه وتنزيه الله وفي انعدام ضابط لهذا النفي دخل عليهم ما عطل عقولهم
وقد كان سلفهم الأوائل الجهمية الخلص قد ضربوا أظهر صور العطل
العقلي باسم نفي التشبيه وتحت ستار التنزيه من التشبيه فقالوا:
لا نقول عن الله بأنه موجود، لأننا إن قلنا إنه موجود نكون شبهناه بالموجودات، ثم قالوا وكذلك لا نقول معدوم حتى لا نشبهه بالمعدومات، فاستقروا على وصفه بأنه لا موجود ولا معدوم
وكل هذا باسم نفي التشبيه وتنزيه الله ولا يوجد كفر أعظم من هذا الكفر
وهكذا كل أقوال الجهمية والتي أخذها منهم المعتزلة
فكل ما نفاه المعتزلة هو تحت ستار نفي التشبيه
ولذلك اتهم جماعة منهم بعض الأنبياء واتهم آخرون الصحابة بالتشبيه كما اتهم الشهرستاني الأشعري جماعة من السلف بالتشبيه وهكذا عامة الأشاعرة يتهمون كل من أخذ بالقرآن والسنة في إثبات الصفات بأنه مشبه بل ومجسم
ولسذاجتهم يريدون منا أن نترك نصوص القرآن والسنة ونصدقهم بأنها لا تصلح لأخذ عقيدة الصفات، ونأخذ بما يملوه علينا هم من
اعتقاد وهذا هو قمة الاستخفاف
ومن أدل ما يوضح ما عليه هؤلاء أهل التعطيل والتحريف من الانحراف أنهم يتعاملون مع الأدلة الشرعية وأقوال العلماء بمبدإ مسبق قبل العلم بها ولا الوقوف عليها.
على أن كل ما سيمر بهم مما يخالف عقيدتهم فهو مؤول ومردود ولا بد من إنكار معناه، فإن لم يكن مجال فلابد من إنكار صحته، فإن كان قول عالم معتبر عاملوه كذلك، فإن لم يجدوا لذلك سبيلا اتهموا العالم بالتجسيم والتشبيه وهكذا.
وهذا المبدأ سلطوه على عدد من النقول يعسر حسرها تقدر بالمئات ما بين نص شرعي وقول عالم
فهل يتصور عاقل أن أمثال هؤلاء يتعاملون مع الدين والوحي باستجابة واتباع وإيمان أو مع أقوال العلماء باسترشاد واستفادة؟
هؤلاء يسيرون على مبدإ: ما نريد إلا ما نريد
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومما ينبغي بيانه قبل مباشرة البحث أن خلاصة أقوال الطوائف في
مسألة العلو ثلاثة أقوال:
قال الإمام الذهبي مبينا هذا:
" أ ـ مقالة السلف وأئمة السنة بل والصحابة والله ورسوله والمؤمنين: أن الله في السماء وأن الله على العرش وأن الله فوق سمواته، وحجتهم على ذلك النصوص والآثار.
ب ـ ومقاله الجهمية أنه في جميع الأمكنة ..
ج ـ ومقال متأخري المتكلمين أن الله ليس في السماء ولا على العرش ولا على السماوات ولا في الأرض ولا داخل العالم ولا خارج العالم ولا هو بائن عن خلقه ولا متصل بهم " ا. هـ
وقال:
" ـ والله فوق عرشه كما أجمع عليه الصدر الأول ونقله عنهم الأئمة وقالوا ذلك رادين على الجهمية
ـ القائلين بأنه في كل مكان محتجين بقوله (وهو معكم) فهذان القولان هما اللذان كانا في زمن التابعين وتابعيهم ...
ـ فأما القول الثالث المتولد بآخرة بأنه تعالى ليس في الأمكنة ولا خارجاً عنها، ولا فوق العرش، ولا هو بمتصل ولا بمنفصل عنهم، ولا ذاته المقدسة متميزة ولا بائنة عن مخلوقاته، ولا في الجهات ولا خارجاً عن الجهات ولا ولا فهذا شيء لا يعقل ولا يفهم مع ما فيه من مخالفة الآيات والأخبار)) العلو (1/ 596)
فالقول الأول وهو اعتقاد أن الله فوق سماواته وعلى عرشه هو قول أهل السنة من الصحابة فمن بعدهم وهو أول الأقوال ظهورا كيف لا وهو الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وعليه أجمع كافة أهل
الحق كما سيأتي بيانه مفصلا.
أما القول الثاني وهو اعتقاد أن الله في كل مكان فهو قول حدث في مطلع القرن الثاني على يد الجهمية وهو مصادم لمئات النصوص ولإجماع الأمة قبل حدوث هذا القول.
¥