وأيضاً: فقد ثبتت السنَّة بأن الدجال يكون معه جنَّة ونار، وقد أمر الشارع المؤمنين الذين يدركونه أن يشرب أحدهم من الذي يرى أنه نار، فإنه يكون عليه برداً وسلاماً، فهذا نظير ذلك.
وأيضاً: فإن الله تعالى قد أمر بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم، فقتل بعضهم بعضاً، حتى قتلوا ـ فيما قيل ـ في غداة واحدة: سبعين ألفاً، يقتل الرجل أباه، وأخاه، وهم في عمايةِ غمامةٍ أرسلها الله عليهم، وذلك عقوبة لهم على عبادتهم العجل، وهذا أيضاً شاق على النفوس جدّاً، لا يتقاصر عما ورد في الحديث المذكور، والله أعلم. " تفسير ابن كثير " (5/ 58).
ب. وقد فصل ابن القيم رحمه الله وجوه الجواب السابقة، كما أشرنا إليه، وزاد فيها وجوها أخرى، منها:
* أن موجب هذه الأحاديث هو الموافق للقرآن وقواعد الشرع؛ فهي تفصيل لمَا أخبر به القرآن أنه لا يعذَّب أحد إلا بعد قيام الحجة عليه، وهؤلاء لم تُقَم عليهم حجة الله في الدنيا، فلا بُدَّ أن يقيم حجته عليهم، وأحق المواطن أن تُقام فيه الحجة: يوم يقوم الأشهاد، وتُسمع الدعاوى، وتُقام البينات، ويَختصم الناس بين يدي الرب، وينطق كلُّ أحدٍ بحجته ومعذرته، فلا تنفع الظالمين معذرتهم، وتنفع غيرهم.
* أنه قد صحَّ بذلك القول بها عن جماعة من الصحابة، ولم يصح عنهم إلا هذا القول، والقول بأنهم خدَم أهل الجنة: صح عن سلمان، وفيه حديث مرفوع، وأحاديث الامتحان: أكثر، وأصح، وأشهر.
* أن أمرهم بدخول النار ليس عقوبة لهم، وكيف يعاقبهم على غير ذنب؟ وإنما هو امتحان واختبار لهم، هل يطيعونه أو يعصونه، فلو أطاعوه ودخلوها: لم تضرهم، وكانت عليهم برداً وسلاماً، فلما عصوه وامتنعوا من دخولها: استوجبوا عقوبةَ مخالفةِ أمرِه، والملوك قد تمتحن مَن يُظهر طاعتهم هل هو منطوٍ عليها بباطنه، فيأمرونه بأمرٍ شاقٍّ عليه في الظاهر، هل يوطِّن نفسه عليه أم لا، فإن أقدم عليه ووطن نفسه على فعله: أعفوه منه، وإن امتنع وعصى: ألزموه به، أو عاقبوه بما هو أشد منه.
وقد أمر الله سبحانه الخليل بذبح ولده، ولم يكن مراده سوى توطين نفسه على الامتثال والتسليم، وتقديم محبة الله على محبة الولد، فلما فعل ذلك: رَفع عنه الأمر بالذبح.
وأما أن ذلك "ليس ذلك في وسع المخلوقين " فقد أجاب عنه ابن القيم من وجهين:
أحدهما: أنه في وسعهم، وإن كان يشق عليهم، وهؤلاء عبَّاد النار، يتهافتون فيها، ويُلقون أنفسهم فيها؛ طاعةً للشيطان، ولم يقولوا " ليس في وسعنا "، مع تألمهم بها غاية الألم، فعبَاد الرحمن إذا أمرهم أرحم الراحمين بطاعته باقتحامهم النار: كيف لا يكون في وسعهم، وهو إنما يأمرهم بذلك لمصلحتهم ومنفعتهم؟.
الثاني: أنهم لو وطَّنوا أنفسهم على اتباع طاعته ومرضاته: لكانت عين نعيمهم، ولم تضرَّهم شيئاً.
قال رحمه الله:
" فالسنَّة، وأقوال الصحابة، وموجب قواعد الشرع وأصوله: لا تُردُّ بمثل ذلك، والله أعلم "
انظر: " أحكام أهل الذمة " (2/ 1148 – 1158).
وهذا كلام متين، فيه بيان المسألة وتجليتها، ونسأل الله أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يتوفانا على الإيمان.
والله أعلم
ـ[أبو عبدالرحمن بن أحمد]ــــــــ[09 - 08 - 09, 09:57 ص]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=1439
ـ[أيمن بن خالد]ــــــــ[09 - 08 - 09, 12:28 م]ـ
نفع الله بكم يا بو عبدالرحمن. لكن ما نقلته لي لم يجب على استشكالي، فقد قرأت كل ذلك من قبل وأنا أعلم من هم أهل الفترة. فاستشكالي يكمن في التوفيق بين النصوص، أي في ما كان من أهل الفترة وإيجاب معرفة الله على جميع الأنام، أي أنّ من كان من أهل الفترة ملزم بمعرفة الله، فهكذا توصل ابراهيم عليه السلام وغيره الى الله إما من طريق العقل أو النظر. والخلاف كما نقله القاري هو في الطريقة لا في أصل المعرفة، فتأمل.
ـ[أيمن بن خالد]ــــــــ[09 - 08 - 09, 12:37 م]ـ
أخي أبو عبدالرحمن بن أحمد
جزاك الباري كل الخير، ففي الرابط غايتي وهو يدل على صحة استدلالي وإن كان الظاهر الخلاف في ذلك، فلله الحمد والمنة.
وإن كان هناك من إضافة أو تعقيب أو نقد فأرجو المشاركة
بارك الله بكم
ـ[محمد براء]ــــــــ[09 - 08 - 09, 01:35 م]ـ
¥