نقل القاري في كتابه الرد على القائلين بوحدة الوجود أنّ مذهب أهل الإسلام أنّ معرفة الله تعالى واجبة على جميع الأنام، أي أنّ الخلق مأمورون بمعرفة الله لما تستلزمه الفطرة والعقل.
إن كان يريد بالوجوب أن من ترك معرفة الله قبل بلوغ الحجة الرسالية يحصل له العقاب بالخلود في النار، فهذا باطل مردود، ترده النصوص الدالة على أن الله تعالى لا يعذب الناس قبل قيام الحجة الرسالية كقوله: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا، وقوله: كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير، وقوله: وما كان ريك مهلك القر حتى يبعث في أمها رسولا، وقوله: لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
وقد حكى اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، أن هذا هو مذهب اهل السنة، وكذا الخطابي وأبو حامد الإسفراييني وابن تيمية وابن القيم نصوا على ذلك.
وإن كان يريد بالوجوب أن من تركها حصل له الذم والقبح، دون العقاب الاخروي، فقوله صحيح وهو مقتضى قول أهل السنة بالتحسين والتقبيح العقليين خلافاً للأشعرية.
قال ابن القيم متعقباً قول الهروي أن التوحيد يجب بالسمع: " الصواب وجوبه بالسمع والعقل، وإن اختلفت جهة الإيجاب:
فالعقل يوجبه بمعنى اقتضائه لفعله وذمه على تركه وتقبيحه لضده.
والسمع يوجبه بهذا المعنى، ويزيد إثبات العقاب على تركه والإخبار عن مقت الرب تعالى لتاركه وبغضه له، وهذا قد يعلم بالعقل، فإنه إذا تقرر قبح الشيء وفحشه بالعقل وعلم ثبوت كمال الرب جل جلاله بالعقل أيضاً: اقتضى ثبوت هذين الأمرين: علم العقل بمقت الرب تعالى لمرتكبه، وأما تفاصيل العقاب وما يوجبه مقت الرب منه؛ فإنما يعلم بالسمع " مدارج السالكين (3/ 490).
وقال معلقاً على قول بعض الأشعرية: " الوجوب والتحريم بدون الشرع ممتنع، لأنه لو ثبت لقامت الحجة بدون الرسل، والله سبحانه إنما أقام حجته برسله "، قال: " لا ريب أن الوجوب والتحريم اللذين هما متعلق الثواب والعقاب بدون الشرع ممتنع كما قررتموه، والحجة إنما قامت على العباد بالرسل، ولكن هذا الوجوب والتحريم - أي: اللذان نثبتهما - بمعنى حصول المُقتَضِي للثواب والعقاب، وإن تخلف عنه مُقتضَاه لقيام مانعٍ أو فوات شرط " مفتاح دار السعادة (3/ 12).
ـ[ابوالعلياءالواحدي]ــــــــ[10 - 08 - 09, 02:02 ص]ـ
الحق أنه لا يجب على العباد شيء الا ببعثة الرسل، فالحجة تقوم، والعذر ينقطع ببلوغ الدعوة حقيقة او حكما (
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)
ولو كانت الحجة تقوم بما يؤدي اليه النظر العقلي لما كان لبعثة الرسل فائدة. وهذا كلام يحتاج الى مزيد بسط ولا انشط له الآن.
ـ[أبويحيى السلفي]ــــــــ[10 - 08 - 09, 05:07 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإشكالية عندك أخي أيمن في الطرق الموصلة للمعرفة بالله وكيفية إقامة حجة الله على عباده أهي العقل أم النقل.
من قال بالعقل فإن الحجة قد أقيمت عليه فعلا لأنه عاقل وآيات الله في الكون تدل على وحدانيته فهو غير معذور
وذهب لهذا المعتزلة وبعض من الأشاعرة وهو مرجوح
ومن قال إن الحجة لا تقام إلا ببعثة الرسل للناس فهو الصواب لورود الأدلة الشرعية على ذلك
فبهذا يكون الإشكال قد أزيل
ولكن حكم أهل الفترة في الدنيا لو وجدت لهم مثلا مقابر أنهم كفار وفي الآخرة كل حسب إختياره لأمر الله
جزاكم الله خيرا
ـ[محمد محمد الهاشمي]ــــــــ[30 - 08 - 09, 09:37 م]ـ
هل يدخل في ذلك قوله تعالى (لتنذر قوماً ماأنذر أباؤهم)؟ فيكون على ذلك قوم بني عبد المطلب من أهل الفترة؟
ـ[محمد براء]ــــــــ[31 - 08 - 09, 01:26 ص]ـ
هل يدخل في ذلك قوله تعالى (لتنذر قوماً ماأنذر أباؤهم)؟ فيكون على ذلك قوم بني عبد المطلب من أهل الفترة؟
مشركو العرب بلغتهم دعوة الأنبياء السابقين، فقامت عليهم الحجة، وقد دل على ذلك أدلة كثيرة ..
أما هذه الآية ونحوها فلا تعارض ذلك، لأن النذير المنفي هو النذير المباشر، جمعاً بين الأدلة، كما صرح به كثير من المفسرين والله أعلم.
ـ[أيمن بن خالد]ــــــــ[31 - 08 - 09, 04:30 ص]ـ
نفع الله بكم وجزاكم الله خيراً.
حقيقة استشكالي هو مدى حقيقة وقوع هذا الحكم في وقتنا الحالي على الناس!
وإليكم ما أعني مع ذكر نقاط اسشكالي في المسألة:
هل يشترط السماع بالرسالة وبالتوحيد أم يشترط التبليغ على وجه صحيح لا لبس فيه؟
فقد ورد في الصحيح من الحديث أنّ المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد يسمع بي من هذه الأمة، ولا يهودي، ولا نصراني، فلا يؤمن بي؛ إلا دخل النار" فاشترط هنا السماع ولم أجد نصاً يصرح باشتراط وصول الرسالة على وجهها الصحيح.
فمثلاً ينشر في وسائل الإعلام في الغرب أنّ الإسلام دين سفك دماء وتخلف وما إلى ذلك مما يرموننا به، ونحن منه براء، فترى البعض من أهل الغرب يعزف عن الدين مع علمهم أنّ المسلمين يؤمنون باله واحد وأساسيات الدين. فتراهم يعزفون عن الدين لإسباب متعلقة بفروع لا أصول أساءوا فهمها أو شوهت لهم.
فهل يقال عن هؤلاء أنهم أهل فترة مع العلم أنّ دعوة الرسل وصلتهم من قبل وإن كانت انتهت اليهم محرفة، فهل يعذروا لأنهم لم يعرفوا غير ما وجدوا من تعاليم وشرعة محرفة أم أنهم مطالبون هنا لمعرفة الصواب لأن العقل يرفض مثل هذه التحاريف كما حصل للكثير منهم من الذين رفضوا ما هم عليه لوضوح التحريف والخطأ وبدأوا البحث حتى أسلموا.
هذا هو في الواقع استشكالي من الجانب العملي لا النظري.
فهل من مسعف؟
¥