كما أن كلامه يستنكر منه هذه المبالغة والتهويل و قوله: (الآثار:5/ 45):" .. فليست المسألة مسألة شرق وغرب أو إسلام ومسيحية, وإنما هي مسألة إساءة وإحسان .. ". وقوله عن الإسلام (الآثار:4/ 110 - 111): " .. ويعترف بالأديان الأخرى ويحترمها ويسلم أمر التصرف فيها لأهلها فيقول: {لكم دينكم ولي دين}.وهذا الاستدلال باطل؛ لأن سبب نزول الآية أن بعض أولاد الأنصار تربوا في الجاهلية في أحضان اليهود فتهودوا، فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير، خرجوا معهم، فأراد آباؤهم أن يجبروهم على الإسلام، فأنزل الله الآية المذكورة.
وبعض المفسرين يرى أن هذه الآية خاصة بهم، وبعضهم يرى عمومها وشمولها لأهل الكتاب، ثم يذهب إلى أنها منسوخة بآية الجزية في سورة براءة.
ورجح ابن جرير أن الآية تتناول فقط أهل الكتاب ومن في حكمهم ممن يقبل منهم الجزية.
لا تتناول العرب وغيرهم من الوثنيين من سائر أمم الأرض، وإذن فليس الأمر كما يصوره بن باديس ويهول به). والله أعلم. (8)
ـ الوجه الرابع/ مناداة ابن باديس بحرية الأديان و الاعتراف بها وما إلى ذلك فيه نوع " تضخيم لحرية الاعتقاد بهذه الصورة لا يعرفه الإسلام ولا المسلمون.
فالله شرع القتال حتى لا تكون فتنة. ويكون الدين لله، والفتنة الشرك.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ".
فالقاعدة الأساسية جهاد الكفار والمشركين حتى تتحقق هذه الغاية الكبرى، وقضية قبول الجزية من أهل الكتاب استثنائية من هذه القاعدة الأصيلة الكبيرة.
فإن لم يؤدوا الجزية وهم صاغرون، يقاتلون لكفرهم وتغنم أموالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم.
فأين هي حرية الأديان واحترامها التي يدعي بن باديس أن الإسلام يدين بها؟!.
فالناس عباد الله في نظر الإسلام خلقوا لعبادته، فإن تمرد بعضهم عن القيام بهذه الغاية، لا يستحق إلا الهوان في الدنيا والآخرة.
وإذن، فلا يجوز لابن باديس أن يعرض موقف الإسلام من أهل الكتاب إذا أدوا الجزية أذلاء صاغرين في هذه الصورة الضخمة العامة لهم ولغيرهم، والتي تلغى فيها القيود الثقال التي تجعلهم تحت مستوى العبيد، والتي تتجاهل الشروط العمرية المعتبرة عند فقهاء الإسلام، والتي عامل بها المسلمون - وعلى رأسهم خلفاؤهم - عاملوا بها أهل الكتاب.
و من المستنكر قوله (الآثار:6/ 321): ((نحن-كمسلمين-لا يضيق صدرنا بأن نرى أهل كل دين يحتفلون بطقوس دينهم، ويظهرون تمسكهم بعقيدتهم، ويدعون إليه بكل شيء شريف نزيه، بل نود أن يقع التفاهم على نشر أصول الخير والإحسان التي تنفق عليها جميع الملل، وعلى مقاومة الشر والظلم والإلحاد المحرمة عن الجميع)). بهذه الصورة الشاملة للديانات الباطلة كلها، فهذا الأسلوب فيه دفن لعزة الإسلام والمسلمين وإهانة الكفر والكافرين، كما أن فيها دفنا لمبدأ الولاء والبراء وبغض الكفار وعداوتهم المفروضة كما في النصوص التي سبق ذكرها.
لا يظن القارئ أن هذا سبق قلم من بن باديس بل هذه أقوال ثابتة يقررها ويكررها في مقالاته كثيرا ". والله أعلم. (9)
ـ الوجه الخامس/ أما قول ابن باديس (الآثار:5/ 43 - 44): ((عاش النصارى واليهود والمجوس في الشرق والغرب في ... المسلمين وتحت سلطانهم قروناً طوالاً فما أكرهوا على الإسلام، ولا نصب لهم ديوان تفتيش، ولا أرهقوا بالضرائب، ولا اقتيدوا للموت في سبيل الإسلام، ولا انتزعت أراضيهم بأفانين الاحتيال، ولا منعوا من قراءة دينهم ولغتهم بوجوه المنع، ولا أخذت أموال بيعهم وكنائسهم وتركت تعيش بالتقتير والاستجداء ءاتية للخلاء والخراب، ولا تعرض للطعن والتشهير بأديانهم وأعراضهم وعظمائهم بالزور والبهتان، ولا خصصوا بأحكام استثنائية في قانون العدل العام، بل كانوا لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، يبلغون من العلم والجاه والثروة تحت لواء العدل الإسلامي حيث يستطيعون تبوأ الكتابة والحجابة والوزارة، وأثروا حتى استغرضهم الأمراء و الشراف راتعين بحبوحة الأمن و المودة و المساواة للمسلمين في أبواب العدل و الإحسان، اللهم إلا أمرا واحدا فإن المسلمين استقلوا به وحدهم و احتازوه دون أهل ذمتهم
¥