تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذه الأسطر ليست دفاعاً عن واقع الصوفية القبورية المنحرف، بل لعلك لا تجد اليوم طريقة سلمت من بدعة مكفرة أو مفسقة. وإذا كان أئمة التصوف في القرون الخالية ينكرون ما آل إليه حال كثير منهم ومن ذلك ما نقله القشيري في رسالته، وصرح به أبو نعيم في أول حليته، بل هو كثير حتى في كلام الغزالي وأمثاله من المتأخرين فكيف بحالهم اليوم. أسأل الله أن يردنا وإياهم إلى ما كان عليه الأسلاف رداً جميلاً.

وإذا كان الأمر كذلك فقد يقول قائل ما ذكره أحد الأفاضل وحاصله: فلماذا الحديث عن أمر قد انقرض!

والجواب باختصار لأجل بعثه في جسد المتصوفة اليوم وإعادتهم إلى ربقة السنة التي كان عليها أئمتهم المتقدمين، فمن أنجع السبل المؤثرة في دعوتهم –بل في دعوة كل إنسان- الإقرار بما عنده من حق يعظمه ومحاولة تنبيهه إلى ما غفل عنه منه، وإرجاعه إليه، وهنا تبدو الثمرة. كما أن الظلم وإنكار ما لدى الآخر من حق ومحاولة تجسيد الخطأ ممحضاً فيه من مبدئه إلى منتهاه لا أظنه سبيلاً صالحاً للدعوة، ومتى كان الجور والاعتساف طريقاً لهداية الناس!

الشأن في ذلك كالشأن في تدريس سير السلف الأوائل من الجيل الأول سواءً أكانوا من أهل العلم، أو أهل الجهاد، أو أهل العمل، وقد درج الوعاظ والخطباء على استخدام سيرهم في دعوة العامة إلى الله تعالى، وقد علم ما لذلك من أثر عظيم، ولاسيما إن كان المدعو يمت إلى سلفه بصلة ونسبة.

وشروعاً في الموضوع فإن الشيخ لطف الله -وفقه الله- ذكر أربعة مستندات يعتمد عليها من قال بوجود تصوف معتدل، وإذا تأملت تلك المستندات وجدت أنه ربما ادعى شخص وجود تصوف معتدل بها، ولكن لايمكن بحال أن يعتمد من يزعم ذلك على تلك المستندات فقط، كما أن تلك المستندات التي أشار إليها لايصلح بعضها أن يكون مستنداً للمسألة ولا عليها أصلاً.

أولاً: المستند الأول نموذجاً للجدل فيما لاكبير تعلق له بالموضوع وهو نسبة التصوف إلى ماذا؟

فالحكم بوجود تصوف صحيح من عدمه ليس فرعاً عن نسبة التصوف إلى الصوف أو غيره، وهي النسبة التي رجح اختيارها شيخ الإسلام، فلا يقال إن كانت النسبة صحيحة فإن ذلك يعني وجود تصوف صحيح، وإن كانت النسبة خاطئة فإن ذلك يعني أن التصوف كله باطل! وبهذا يظهر أن ما زُعم مستنداً أولاً ليس بمستند يفيد نفيه أو إثباته كبير شيء، وإنما الجدل فيه صراع خارج الحلبة!

وللاستزادة في هذا الصدد انظر كلام شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 11/ 195، وانظر كذلك 10/ 369، وأيضاً 11/ 6، و 11/ 16، وهو ترجيح الشيخ ابن جبرين وغير واحد من الباحثين والمعاصرين وحسبك بالشيخ، وقد قرأت للدكتور لطف الله وفقه الله بحثاً نشر في البيان العدد 214 جمادى الثانية يقرر فيه بطلان ما قيل في نسب التصوف وكانت أبلغ حجته حفظه الله في إنكار بعض النسب أنه لايجيء عليها الاشتقاق، وأن ذلك لم يؤثر عن متقدميهم بما يذكر، مع أن ما أنكره يصح فيه بعض الاشتقاق، إذ يصح فيه الأكبر دون الأصغر وقد عرف الاشتقاق الأكبر أئمة اللغة كأبي علي الفارسي –وحسبك به- وكذلك تلميذه ابن جني وهو موجود في كلام المبرد قبله، وتبعهم أئمة اللغة والأمثلة على هذا كثيرة. فتخريج تلك الأقوال على الاشتقاق الأكبر أو الأوسط سائغ لغة وقد أشار إلى ذلك شيخ الإسلام (10/ 369)، وإنما ذكرت هذا مع ذهابي إلى ضعف هذا الاشتقاق في تلك النسب لتعلم أن الاشتقاق من سوفا (الذي اختاره الشيخ) أبعد وأن ما رد به على من نسبهم إلى الصفا أو الصف المقدم كان من الأجدر أن يرد به على النسبة التي اختار!

أما الصوف فهو النسبة الصحيح الظاهرة في الاشتقاق الأصغر وهو الأقرب، وأما عدم الاشتهار الذي زعمه الشيخ فقد تبع فيه نكسون ولا يسلم لنكسون ومن تبعه به، فضلاً عن أنه ليس بحجة في النفي! وأما اختيار القشيري فقد خالفه اختيار غيره، على أن هذا الأخير ذكر أقوال الناس المشهورة في المسألة قبله وقرر أن منها القول بالنسبة إلى الصوف ولم ينكر أن يكون اشتقاق التصوف من الصوف وجيهاً بل قال ما نصه: "فذلك وجه. ولكن القوم لم يختصوا بلبس: الصوف" فأقر بأن هذا وجه في المسألة، ثم بين وجهاً آخر يراه وهو كونه لقبا قال: "هذه الطائفة أشهر من أن يحتاج في تعينهم إلى قياس لفظ واستحقاق اشتقاق".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير