تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالذي يظهر للباحث أن النسبة الصحيحة مشتقة من الصوف وما اعترض به القشيري ليس بالجيد؛ فعدم الاختصاص ليس مانعاً من النسبة لمن عرف بذلك منهم، كما نُسبة إمامة أهل السنة للإمام أحمد ولم يختص بها دون الأئمة، وليس من شرط النسبة إلى شيء الاختصاص به دون غيره، وأنت تجدهم ينسبون المرء إلى قبيلة أو بلدة مع أنه ليس مختصاً بها، وهذا ظاهر، أما المناسبة بين نسبة المتصوفة إلى الصوف فلأن عامة المتزهدين والمتقشفين والفقراء هم الذين كانوا يرتدون الصوف لكونه من أرخص ثيابهم يشهد لذلك الحديث:جاء قوم في ثياب من صوف مجتابي النمار ...

ثم إن ما أورده الشيخ لطف الله –حفظه الله- في الرد على النسب الأخرى جميعه يصح في رد النسبة التي رجحها، ومن أظهر ذلك مشكلة الاشتقاق التي رد بها غير أصل ترد على الكلمة اليونانية التي أوردها Sophia " سوفيا" أو كما يقول بعضهم "سوف" بإشباع الفاء فتحاً، فلماذا تغاضى الشيخ عن الاشتقاق هنا واحتج به هناك؟! وهل يصح في سوف حتى الاشتقاق الأكبر! كما أن حركة الترجمة لم تكن قوية عند ظهور الاسم في القرن الثاني –وقد أشار إلى ظهوره في تلك الحقبة النووي وشيخ الإسلام-، ولهذا لم يشر القشيري ولا أبونعيم إلى هذه النسبة فدل ذلك على أنها لم تكن معروفة عندهم وقد أيد الشيخُ نكسون في الرد بعدم الاشتهار نسباً، بل هذه النسبة قول حادث متأخر في المسألة أول من قال به البيروني في القرن الخامس وليس هو من أهل العلم. كما أنهم لم يعرفوا التصوف بأنه الحكمة وإنما ربط تعريفه بأمور أخرى. ولو فرض جدلاً أخذ التصوف مما رجحه الشيخ لما دل ذلك على أنه أول أمره كان باطلاً لمجرد الانتساب إلى لقب أصله أعجمي، كما انتسب الشيخ لدرجة العالمية ومسماها غربي (د) (دكتور) ولايعني كون اللفظ غربياً تأثر الشيخ بالغربيين بل حاشاه.

ثانياً: هل كان أصل التصوف هو الزهد؟

وأما المستند الثاني الذي ذكره الشيخ لمن يقول بوجود تصوف صحيح، فهو –إن صح- مستند صحيح يبين أن أصل التصوف صحيح، ولكنه إن بطل لم يدل على أن منشأ التصوف منحرف. فإن صح كان دليلاً عليه وإن بطل لم يكن له فيه دليل.

فإذا سلمنا جدلاً بأن المتصوفة الأوائل من أمثال الجنيد وبشر الحافي وعتبة الغلام وأبوسليمان الداراني وإبراهيم ابن أدهم وأضرابهم لم يتميزوا بالزهد!! فلا يعني هذا أن منشأ التصوف الأول باطل!

وأنبه هنا إلى أن تفريق بعضهم بين التصوف والزهد لا يعني أن العلاقة بينهما التباين، بل كلام من نقل يدل على أن العلاقة بينهما العموم والخصوص. فما أشار إليه الشيخ من كلام السهروردي حجة عليه تبين أن التصوف عندهم زهد وزيادة وهذا يناسب حال السهروردي وغيره من المتأخرين. فلا يصلح أن يكون ما أورده حجة في رد القول بأن منشأ التصوف هو الزهد.

وأما رده بسبب أن أئمة التصوف المتقدمين لم يجد الشيخ عندهم من أشار إلى لفظ الزهد فعليه عدة مآخذ:

-- أولها قصور البحث فما لم يجده الشيخ وجده غيره:

قال اليافعي في معرض حديثه عن القوم وقد ذكر الزهد: "هو مبادىء سلوك أهل الإرادة".

وقال أبو سليمان داود بن نصير الطائي: "علامة المريد الزهد في الدنيا".

وصرح ابن عجيبة بأنهم يرونه ركناً من أركان الطريق قال في أول شرح الحكم: "التحقيق في مسائل هذا العلم أنها القضايا التي يبحث عنها السالك في حال سيره ليعمل بمقتضاها ككون الإخلاص شرطاً في العمل وكون الزهد ركناً في الطريق".

ونقل القشيري عن أبي سليمان الدارني قوله: "الصوف علم من أعلم الزهد؛ فلا ينبغي للزاهد أن يلبس صوفاً بثلاثة دراهم، وفي قلبه رغبة خمسة دراهم"، ولو تأملت ما ذكره القشيري في رسالته من كلامهم في معنى الزهد لرأيته يقارب ما ذكره كثير منهم في كلامهم عن معنى التصوف، وقد يترجم لبعضهم فيقول: سلك طريق الزهد يريد التصوف، كما في ترجمة شقيق بن إبراهيم البلخي، ثم إنك لاتكاد تجد كتابا من كتب التصوف خال من ذكر الزهد بلفظه أو معناه، حتى قال عبدالوهاب الشعراني في نصيحة الإخوان: "اسم الصوفي عرفاً لايطلق إلاّ على من كان على قدم السادة الصوفية المذكورين برسالة القشيري وغيرها، من الزهد والورع وقيام الليل وكف الجوارح كلها عن الحرام بحيث يشهد له أهل العصر من العلماء بذلك، وأما من تكون له سريرة لو ظهرت للناس لمقتوه وازدروه فليس له أن يأكل مما وقف

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير