تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

على الصوفية".

-- وثانيها هذا الذي لم يجده الشيخ هو الذي نص عليه المحققون من أهل العلم، قال أحد من سبر أغوار الفرق وعرفها أكثر من أهلها أعني به شيخ الإسلام ابن تيمية [الفتاوى 10/ 369]: "فإن معرفة أصول الأشياء ومبادئها ومعرفة الدين وأصله وأصل ما تولد فيه من أعظم العلوم نفعاً، إذ المرء ما لم يحط علما بحقائق الأشياء التي يحتاج إليها يبقى في قلبه حسكة. وكان للزهاد عدة أسماء يسمون بالشام الجوعية، ويسمون بالبصرة الفقرية و الفكرية، ويسمون بخراسان المغاربة، ويسمون أيضا الصوفية والفقراء"، وقال رحمه الله [الفتاوى 11/ 29]: "وكذلك في أثناء المائة الثانية صاروا يعبرون عن ذلك بلفظ الصوفي لأن لبس الصوف يكثر في الزهاد بل حتى ابن الجوزي الذي سطر في ذمهم في بيان التلبيس ما سطر يصرح بهذا ويقول: "الصوفية من جملة الزهاد، وقد ذكرنا تلبيس إبليس على الزهاد، إلا أن الصوفية انفردوا عن الزهاد بصفات وأحوال وتوسموا بسمات فاحتجنا إلى إفرادهم بالذكر، والتصوف كان ابتداؤها الزهد الكلي، ثم ترخص المنتسبون إليه بالسماع والرقص فمال إليهم طلاب الآخرة من العوام لما يظهرونه من التزهد، وما إليهم طلاب الدنيا لما يرون عندهم من الراحة واللعب"، فهذا تصريح بأن ابتداءهم الزهد الكلي. وهذا يقوله ابن الجوزي مع أنه من أشد الناس حطاً على الصوفية تبعاً لشيخه ابن عقيل الذي نشأ على منافرة القوم جراء نشأته الأولى رحمه الله، وهنا يحسن التنبيه إلى أن ما ذكره ابن الجوزي في تلبيس إبليس على الصوفية من أخبار قسمان: قسم صحيح وهو ماشهده من أفعال عامة المتأخرين فبيانه لتلبيس إبليس على هؤلاء كان في محله، وكذلك بيانه للتلبيس عليهم في أفعال منكرة مطلقاً بغض النظر عن فاعليها، وأما القسم الآخر فنسبة بعض الأمور المنكرة إلى طائفة من أوائل المتصوفة، وقد أسند أقواله في الغالب ومن أسند فقد جعل العهدة على غيره، وعليه لاينبغي الحكم على أشخاص نسبت إليهم أفعال قبل التحقق منها، وقد وجدت كثيراً من مادته –عليه رحمة الله- تدور على كتاب اللمع للسراج (ت:378) والكتاب من مرويات سعيد العيار (ت:457) عنه وسعيد هذا متكلم فيه رجح الذهبي أنه صدوق. غير أن روايته لكتاب اللمع عنه مطعون فيها [انظر السير 18/ 88، والميزان 3/ 206، ولسان الميزان 3/ 30]، ثم إن السراج هذا هو أبونصر عبدالله بن علي الطوسي، وهو من مشايخ المتصوفة الذين كانت لهم مشاركة في العلوم حتى قال الذهبي كان المنظور إليه في ناحيته في الفتوة ولسان القوم مع الاستظهار بعلم الشريعة وزعم السخاوي أنه كان على طريقة السنة، وقد كانت له عبادة وأحوال حسنة كانت خاتمتها أن مات ساجداً، وهو شيخ القشيري وهو أحد الذين كانوا يسعون لتنقية التصوف مما ألم به، ولذلك أرى الطعن في رواية كتاب اللمع عنه متوجهة.

وبعد هذا كله فإن السراج رحمه الله لم يدرك الجنيد ولا الطبقة التي بعده، فضلاً عمن قبله، فعامة روايته عنهم منقطعة لاتقوم بها حجة، فلو اعتضد بما يقرره لا بما يرسله من أخبار معضلة لكان الأمر محتملاً.

وعوداً إلى الموضوع فقد ذكر المحققون من مشايخنا المعاصرين أن مبدأ التصوف هو الزهد، وقد ذكر العلامة الشيخ عبد الله بن جبرين أن أكثر ما ينقل عن مثل هؤلاء من أمور لا تتوافق مع الشرع، لم يقلها ولم يفعلها، أولئك ما هي إلا من تلاميذهم وأتباعهم.

قال الشيخ العلامة عبدالرحمن بن جبرين: "إن الصوفية أصلا هم الزهاد في الدنيا والمشتغلون بالعبادة، وكانوا في الزمن الأول يرتدون الصوف الخشن من باب التقشف فعرفوا بهذا الاسم، كإبراهيم بن أدهم وبشر الحافي وإبراهيم الخواص والجنيد بن محمد ونحوهم، وكان أولئك يعبدون الله على علم وبصيرة؛ فيحافظون على الجماعات، ويبتعدون عن المحرمات، ويسارعون في الخيرات، ولم يكن عندهم شيء من البدع ولا الخرافات. ثم جاء بعدهم من تسمى باسم الصوفية .. وقال حفظه الله: "وأما معتدلوهم –معتدلو التصوف- من المتقدمين؛ مثل بشر الحافي والحارث المحاسبي الجنيد بن محمد والفضيل بن عياض وإبراهيم الخواص وأشباههم من أهل الاعتدال. أما الشيخ عدي وكذلك شيخه القرشي الهكاري؛ هذان ولو كانا على طريقة الصوفية، ولكن تصوفهم؛ ولو كانوا متأخرين تصوف معتدل. وذلك لأن الصوفية القدامى ليس تصوفهم تصوف عقيدة، ولكنه تصوف زهادة؛

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير