تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتضاف إلى الله خلقاً وتقديراً، فهي مضافة لنا مباشرة وكسباً، وهي مضافة لله خلقاً وتقديراً، فلما انفكت الجهة أمكن الاجتماع، وإلا فقد يقول قائل: أليس من التناقض أن نضيف أفعال العباد إلى الله وإلى أنفسهم؟ فإننا إن أضفناها إلى الله لزم ألا نضيفها إلى العباد وإن أضفناها إلى المخلوقين لزم ألا نضيفها إلى الله.

وقد ذهب إلى هذين الاحتمالين طائفتان:

فالجبرية قالوا: نضيفها إلى الله، وإذا أضفناها إلى الله لا يمكن أن نضيفها إلى العباد.

والقدرية قالوا: نضيفها إلى العباد وإذا أضفناها إلى العباد لا يمكن أن نضيفها إلى الله، ولهذا جعلوا فعل العبد منفصلاً عن الله عز وجل، لا يشاؤه ولا يخلقه، والجبرية بالعكس جعلوا فعل العبد منفصلاً عن العبد فهو مجبور عليه.

ووجه الشبهة عندهم أنهم يقولون: لا يمكن أن نضيف فعلاً واحداً إلى فاعلين، فلا يمكن أن نضيف الفعل إلى الله وإلى الإنسان، لأنه فعل واحد لا يصدر من فاعلين.

والجواب عن تلك الشبهة أن نقول: إن إضافة الفعل هنا مختلفة؛ ففعلنا مضاف إلى الله تقديرا وخلقا، ومضاف إلينا فعلا وكسبا.

فنحن الذين باشرنا الفعل فإذا صلينا فليس الله هو المصلي، وإذا صُمنا فليس الله هو الصائم، وإذا تصدقنا فليس الله هو المتصدق،بل الصائم والمصلي والمتصدق نحن، فنحن المباشرون، ونحن الذين لنا ثمرة هذا العمل من ثواب أو عقاب، أما الله فإنه عز وجل مقدر وخالق فقط، فلما انفكت الجهة صحت النسبة إلى الله والى الإنسان.

فإذا قال قائل: ما الدليل على أن أفعالنا مخلوقة لله؟ قلنا: الأدلة في هذا كثيرة، قال الله تعالى (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (البقرة: الآية 253) فقوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) يدل على أن اقتتالهم بمشيئة الله، ثم قال تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) إذاً ففعلهم منسوب إلى الله خلقا كما أنه منسوب إلى الله تعالى إرادة وتقديرا.

وقال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) (الأنعام: الآية 112) فأضاف فعلهم إلى الله، وأنه واقع بمشيئته، وأما إضافته إلى العبد فهو كثير جدا، كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:277) فقوله: آمنوا وعملوا الصالحات، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، أضاف الفعل في ذلك كله إليهم.

وقوله تعالى: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة: الآية 286)، وقال تعالى: (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَت) (النحل: الآية 111) فأضاف الله تعالى الأفعال والكسب إلى الفاعل المكتسب، وجعل ذلك بمشيئته وتقديره في قوله: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) وفي قوله: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) وغير ذلك من الآيات.

فصح الآن أن أفعالنا منسوبة إلى الله خلقاً وتقديراً، والينا فعلاً وكسباً، ولهذا قال: (لكنها كسب لنا يا لاهي)؛ يا لاهي، أي يا غافل، كأنه يشير رحمه الله إلى أنه يجب التفطن هنا والتنبه لئلا نقع في فخ المعتزلة أو فخ الجبرية؛ لأن المسالة خطيرة.

ولما قيل لجبرية: إذا كان الله تعالى يجبر العبد والفعل فعل الله، فكيف يثاب العبد ويعاقب؟ فقالوا: إن الله يفعل ما يشاء؛ قد يثيب من لا يستحق الثواب، ويعاقب من لا يستحق العقاب، فقيل لهم: لو عاقب من لا يستحق العقاب لكان هذا ظلماً قالوا: ليس هذا بظلم، إنما الظلم: تصرف الغير في غير ملكه، وإذا تصرف إله في ملكه فليس بظلم؛ لو عاقب إنساناً يصلي ليلاً ونهاراً، ويقوم الليل، ويصوم النهار، ويتصدق بالمال، فعاقبه حتى خلده في نار جهنم، قالوا: إن هذا ليس بظلم؛ لأن الظلم أن يتصرف المتصرف في غير ملكه، والكل ملك الله، فلا يسال عما يفعل وهم يسألون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير