تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحقيقة أن هذا ظلم بنص القرآن الكريم، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) (طه:112)، وقال الله عز وجل: (قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) (قّ:28) (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (قّ:29) إذ كيف يجوز أن يأمر الله شخصاً أن يفعل ثم بعدما يفعل يعاقبه؟ وهذا لو جرى من مخلوق مع مخلوق لعد ذلك ظلماً، فكيف إذا كان مع الخالق عز وجل الذي هو ارحم الراحمين واعدل الحاكمين؟ إذا هذا ظلم.

والمعتزلة أقرب من الجبرية من وجه من جهة المعقول، حيث قالوا: إن الإنسان يفعل ما يشاء؛ يروح ويغدو، ويجلس ويقوم، ولا يشعر أن أحداً يجبره، والجزاء على عمله مطابق تماماً، وهم من هذه الناحية أقرب من الجبرية لكن الجبرية من ناحية تقدير الله أقرب من هؤلاء.

أما أهل السنة والحمد لله فقد اخذوا بهذا وهذا، وقالوا: هي تضاف إلى الله خلقاً وتقديراً، وإلينا مباشرة وكسباً. اهـ

فالله سبحانه و تعالى قادر على أن يعطي العبد حرية الاختيار فيحب ما يختاره و يكره ما يدعه و هنا مشيئة الله عز و جل فمن اختار الايمان فبمشيئة الله و من اختار الكفر فبمشيئة الله عز و جل.

قال العثيمين في نفس الشرح:

ومعنى ذلك أن كل: ما يفعله العباد من الطاعة وضدها فهو مراد لله، أي واقع بإرادته الكونية، ثم إن كان طاعة فهو واقع بإرادته الكونية والشرعية، وإن كان غير طاعة فهو واقع بالإرادة الكونية دون الشرعية، فكل ما يفعله العباد فهو مراد لله، ودليل ذلك السمع والعقل.

أما السمع: فمنه قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (البقرة: الآية 253)، فدل هذا على أن قتالهم كان بمشيئة الله، وبإرادته أيضاً.

وأما العقل: فإننا نقول: إن فعل العبد فعل لمخلوق وهو مخلوق، فإذا كان مخلوقاً فهل خلق بإرادة الله أم خلق بغير إرادة منه؟ الجواب: بإرادة من الله، فما دام مخلوقاً فإن الله لا يجبر أحد على شيء، فلا يكون هذا الفعل إلا بإرادة الله عز وجل، وهذا دليل عقلي.

وقد اختلف الناس في هذه المسالة:

فالجبرية قالوا: بإرادة الله المجبرة؛ التي تجبر الإنسان على أن يفعل.

والقدرية قالوا: ليس بإرادة الله إطلاقاً، والإنسان مستقل بعمله.

وأهل السنة؛ قالوا: إنه بإرادة الله غر المجبرة؛ لأن الإنسان يفعل الفعل باختياره وليس مجبراً عليه، ولا فرق في هذا بين الطاعة والمعصية، فالطاعة التي تقع من العبد بإرادة الله، والمعصية التي تقع من العبد بإرادة الله. لأن اقتتال الكفار والمؤمنين ء الذي سبق أن بينا أنه بمقتضى الآية الكريمة واقع بإرادة الله ء فيه شيء حلال بل واجب، وفيه شيء حرام؛ فقتال المؤمنين للكفار هذا واجب، وقتال الكفار للمؤمنين هذا حرام، ومع ذلك أخبر الله عز وجل بأن ذلك وقع بمشيئته، قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا) (البقرة: الآية 253) إذاً فالله مريد للمعصية كما أنه مريد للطاعة.

فإن قال قائل كيف يكون الله مريداً للمعصية؟ أليست المعصية شراً؟! فالجواب: بلى هو شر، لكن الله تعالى قد يريد هذا الشر لمصلحة عظيمة، وبكونه لمصلحة ينتفي عنه أن يكون شراً محضاً، فالشر المحض ليس إلى الله، ولا يمكن أن يريده الله، لكن هذه المعصية هي بنفسها شر، لكن بما تودي إليه تكون خيراً فليست شراً محضاً؛ لأن المعصية فساد، والله لا يحب الفساد، ولا يريد الفساد المحض، فمن الخير في المعاصي:

أولاً: أن الله تعالى يقدرها يتبين بذلك فضل الطاعة؛ لأنه لولا تقدير المعصية لما عرف فضل الطاعة؛ فإذا حصلت المعصية وحصل من نتائجها ما يحصل من العقوبات العامة والخاصة والظاهرة والباطنة، عرف بذلك قدر الطاعة، وأن الطاعة خير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير