تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثاني: إرادة كونية: وهي التي تكون بمعنى المشيئة، فكل شيء واقع فهو مراد له كونا، لأنه لم يقع إلا بمشيئته، والإرادة الكونية يلزم فيها وقوع المراد، فإذا أراد الله تعالى شيئاً كوناً وجب، قال تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّس:82) كما أن الإرادة الكونية لا تختص بما يحبه الله، بل تكون فيما يحبه الله وفي غير ما يحبه، حتى زنا الزاني فإن الله تعالى أراده كوناً، فكل شيء واقع فإننا نعلم أنه قد تعلقت به الإرادة الكونية.

إذاً فالفرق بينهما أن الإرادة الشرعية بمعنى المحبة،يعني تختص بما يحبه الله ولا يلزم فيها وقوع المراد؛ والإرادة الكونية على العكس؛ يلزم فيها وقوع المراد، ولا تختص بما يحبه الله، بل تكون فيما يحبه وفيما يكرهه.

ولنضرب لهذا أمثلة:

" أولاً: إيمان أبي بكر رضي الله عنه من الإرادة الشرعية والكونية، وذلك لأنه تم بإرادة الله سبحانه وتعالى، فكونه وقع وتم فقد أراده الله إرادة كونية،وكونه محبوباً إلى الله فقد أراده إرادة شرعية.

وأما كفر أبي لهب فهو مراد بالإرادة الكونية لأنه واقع، ووقوعه يدل على أنه مراد كوناً، وهو ليس مراد شرعاً؛ لأنه غير محبوب لله، فكل شيء يقع في الكون وهو غير محبوب إلى الله فهو مراد كوناً لا شرعاً.

وعلى ذلك فإيمان أبي لهب مراد شرعاً وغير مراد كوناً؛ لأن الله سبحانه وتعالى أراد من أبي لهب أن يؤمن، وتلك إرادة شرعية، لكنه لم يرد ذلك كوناً؛ لأنه لو أراد كوناً أن يؤمن لآمن.

أما كفر أبي سفيان ففيه تفصيل؛ فكفر أبي سفيان حال كفره مراد كوناً لا شرعاً، وكفره بعد إسلامه غير مراد لا شرعاً ولا كوناً.

ثانياً: قوله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) (الأنعام: الآية 125) فهاتان الإرادتان كونيتان، لأن من يشأ الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام؛ وليس المعنى: من يحب الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام؛ لأن الله يحب أن يهدي كل أحد، ويلزم من هذا أن يشرح صدر كل أحد، إذاً الإرادة في الآية كونية في الجملة الأولى والثانية.

ثالثاً: قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (النساء: الآية 26) هذه إرادة شرعية كونية لأن الله يحبها ووقعت؛ شرعية لأن الله يحب البيان، وكونية لأنها وقعت، والبيان كوني شرعي، وهداية سنن الذين من قبلنا شرعية لأن من الناس من لم يهتد.

رابعاً: قوله تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) (النساء: الآية 27) هذه إرادة شرعية، لأن الله يحب أن يتوب على الجميع، لكن هذا شيء يرجع إلى مشيئته، فهي شرعية لأنها لو كانت كونية لتاب الله على كل الناس.

خامساً: قول هود: (إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) (هود: الآية 34) هذه إرادة كونية، لأن الله سبحانه وتعالى لا يحب الإغواء.

إذاً الإرادة الكونية شاملة لما يحبه الله وما لا يحبه، ثم لابد فيها من وقوع المراد، أما الإرادة الشرعية فهي بخلاف ذلك، فهي تختص بما يحبه الله، ولا يلزم منها وقوع المراد.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (من طاعة أو ضدها مراد)، وهنا يرد إشكال حيث قد يقول قائل: إذا قلتم إن الله يريد المعاصي بالإرادة الكونية ولكنه يكرهها بالإرادة الشرعية. فكيف يكون في ملكه ما يكرهه؟ وهل الله مجبر؟

فالجواب: إن الله ليس بمجبر ولا شك، وكذلك لا يكون في ملكه ما يكرهه كراهة مطلقة، لكن يكون في ملكه ما يكرهه كراهة إضافية؛ فيكرهه من وجه ويحبه من وجه آخر، فالمعاصي مكروهة لله لا شك، كما قال الله تعالى: (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) (الإسراء:38) لكنه قد يريدها كوناً مع كراهته لها شرعاً لحكمة بالغة، فإن وجود المعاصي في بني آدم له حكمة عظيمة، منها ما ذكرناه سابقا؛ فإن المعاصي يتبين بها فضل الطاعات، وهناك فوائد ذكرناها أيضاً، مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، والصبر، وغير ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير