واستدل بحديث " لا نذر في معصية " من قال بصحة النذر في المباح لأن فيه نفي النذر في المعصية فبقي ما عداه ثابتا , واحتج من قال إنه يشرع في المباح بما أخرجه أبو داود من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده , وأخرجه أحمد والترمذي من حديث بريدة " أن امرأة قالت: يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف , فقال: أوف بنذرك " وزاد في حديث بريدة أن ذلك وقت خروجه في غزوة فنذرت إن رده الله تعالى سالما .... الحديث .. قال البيهقي: يشبه أن يكون أذن لها في ذلك لما فيه من إظهار الفرح بالسلامة ,
واتفقوا على تحريم النذر في المعصية , واختلافهم إنما هو في وجوب الكفارة , واحتج من أوجبها بحديث عائشة " لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين " أخرجه أصحاب السنن ورواته ثقات , لكنه معلول فإن الزهري رواه عن أبي سلمة ثم بين أنه حمله عن سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة فدلسه بإسقاط اثنين , وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال: لا يصح , ولكن له شاهد من حديث عمران بن حصين أخرجه النسائي وضعفه .... وقال النووى في الروضة: حديث لا نذر في معصية وكفارته كفارة اليمين ضعيف باتفاق المحدثين.
وقوله: "فلا يعصه"، هذا كما لو نذر ترك الكلام مع أبويه أو ترك الصلاة أو حلف في ذلك فإنه يجب عليه أن لا يأتي بالمعصية (قال الموفق فى المغنى: نذر المعصية فلا يحل الوفاء به إجماعاً، ولأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "من نذر أن يعصي اللّه فلا يعصيه"، ولأن معصية اللّه لا تحلُّ في حال، ويجب على الناذر كفارة يمين، روي نحو هذا عن ابن مسعود وابن عباس وجابر وعمران بن حصين وسمرة بن حندب وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، ورُوي عن أحمد ما يدل على أنه لا كفارة عليه، فإنه قال فيمن نذر ليهدِمَنّ دار غيره لبنة لبنة لا كفارة عليه، وهذا في معناه، وروي هذا عن مسروق والشعبي وهو مذهب مالك والشافعي ... إلخ ...... وقال الترمذى: بعضِ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم قالوا: لا يعصى الله (هذا مجمع عليه ليس فيه اختلاف) وليس فيه كَفّارَةُ يمينٍ إذا كانَ النّذْرُ في مَعْصِيَةٍ (وهذا مختلف فيه) .... وبهذا يقولُ مالكٌ والشافعيّ.
وقوله" (من نذر أن يعصى الله فلا يعصه) قال في شرح السنة فيه دليل على أن من نذر معصية لا يجوز الوفاء به ولا يلزمه الكفارة، إذا لو كانت فيه الكفارة لبينه صلى الله عليه وسلم.
* متى تجب الكفارة في النذر؟:
اختلف أهل العلم فيمن وقع منه النذر في معصية أو فيما لايملك هل تجب فيه كفارة؟ فقال الجمهور: لا , وعن أحمد والثوري وإسحاق وبعض الشافعية والحنفية نعم , ونقل الترمذي اختلاف الصحابة في ذلك كالقولين , وفي عموم حديث عقبة بن عامر " كفارة النذر كفارة اليمين " أخرجه مسلم ,ما يدل على الكفارة, وقد حمله الجمهور على نذر اللجاج والغضب وبعضهم على النذر المطلق , لكن أخرج الترمذي وابن ماجه حديث عقبة بلفظ " كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين " ولفظ ابن ماجه " من نذر نذرا لم يسمه " , وفي حديث ابن عباس يرفعه " من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين " أخرجه أبو داود , وفيه " ومن نذر في معصية فكفارته كفارة يمين , ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين " ورواته ثقات , لكن أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا وهو أشبه , وأخرجه الدارقطني من حديث عائشة , وحمله أكثر فقهاء أصحاب الحديث على عمومه لكن قالوا إن الناذر مخير بين الوفاء بما التزمه (مما لايطيقه) وكفارة اليمين ,
وفى الحديث عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ: من نذر نذراً ولم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً لم يطقه فكفارته كفارة يمين، أخرجه أبو داود وابن ماجه. قال الحافظ في بلوغ المرام: إسناده صحيح إلا أن الحافظ رجح وقفه.
¥