والأصوليون يذكرون أن الفعل يوصف بالتحريم بناء على ورود خطاب الشارع بترتيب العقوبة على ذلك الفعل [الحكم التكليفي للبيانوني 198، أصول الفقه الإسلامي للطنطاوي ص 73].
المبحث السادس: استفادة النهي عن فعل بوصف ظرف بنقيضه:
إذا ورد في الشرع بأن الزمان متصف بوصف يناقض فعلا ما؛ فهل يعتبر ذلك دليلا على أن هذا الفعل منهي عن إيقاعه في ذلك الزمان؛ لأن الزمان متصف بنقيض ذلك الفعل؟
ظاهر تصرف ابن ماجه أنه نهي عنه وذلك أنه قرر (النهي عن صيام أيام التشريق) [سنن ابن ماجه ص 548 كتاب الصيام باب رقم 35]؛ استدلالا بوصف النبي صلى الله عليه وسلم أيام التشريق بأنها أيام أكل وشرب.
ولم أجد لذلك شاهدا في السنن إلا هذا الموطن، إلا أن استفادة النهي من ذلك متقررة عند العلماء مما يجعل المرء يغلب موافقة ابن ماجه لهم في ذلك.
الخاتمة:
الحمد لله، وبعد: فمن خلال هذه الدراسة يظهر لنا عمق الجوانب الأصولية لدى الإمام ابن ماجه رحمه الله، وقد اقتصرت هنا على تراجم الإمام ابن ماجه التي وجد الحكم فيها صريحا من غير نسبة لقائل، سواء كانت متعلقة بالقواعد الأصولية مباشرة أو فيها حكم فقهي مبني على دليل شرعي، فيتم إبراز القاعدة التي استخرج بواسطتها هذا الحكم من هذا الدليل.
هذه خلاصة البحث، أما عن نتائجه، فقد تم استعراضها في ذات البحث لكن من أهمها ما يأتي:
1 - هذه الدراسة تبين لنا أنواع تراجم الإمام ابن ماجه بالنسبة لعلاقتها بالأحكام الشرعية والقواعد الأصولية.
2 - أن القواعد الأصولية كانت محل عناية العلماء في أوائل مراحل التدوين، مما يدل على أنها كانت تحت أنظار العلماء السابقين للتدوين في زمن الصحابة والتابعين، بل هي موجودة في زمن التشريع؛ لأن كثيرا من القواعد مبنية على أدلة شرعية.
3 - أطلق الإمام ابن ماجه لفظ (الكراهة) وأراد به التحريم حسب الاصطلاح الأصولي.
4 - أطلق الإمام ابن ماجه لفظ (الرخصة) مريدا به استثناء بعض الصور من التحريم مع وجود علة التحريم فيها لدليل خاص كما هو منهج الأصوليين، وأطلق أيضا لفظ الرخصة على أدلة الإباحة في المسائل التي تعارضت فيها الأدلة منعا وإباحة، وأطلق أيضا لفظ (الرخصة) على الوضوء من سؤر الهرة، فهذا يحتمل أنه يريد به نفس الإطلاق الأول؛ لمماثلة سؤرها لسؤر الكلب، ويحتمل أن يريد به إطلاق لفظ الرخصة على ما فيه توسعة، والأصوليون لا يطلقون على ذلك رخصة إلا من باب التجوز.
5 - قد يفهم من كلام الإمام ابن ماجه عدم القول بحجية القياس، وبتمحيص النظر ظهر لي أنه يرى حجيته، والعبارات عنه في ذم القياس إنما هي في ذم المتكلف منه مما هو مقابل للنص.
6 - ظاهر عبارة ابن ماجه تدل على أنه يرى جواز تخصيص العام بعلة الحكم المستنبطة وهو قول لبعض الأصوليين، لكن الباحث رجح خلاف هذا القول.
7 - يرى ابن ماجه أن المندوب مأمور به حقيقة كما هو رأي الجمهور.
8 - قد يفهم من كلام ابن ماجه أن النهي إنما يفيد الكراهة، لكن حقيقة مذهبه أنه يرى أن النهي مفيد للتحريم بحسب الاصطلاح الأصولي.
9 - يرى ابن ماجه أن صيغة (لا تفعل) دالة على النهي إذا تجردت عن القرائن كما هو رأي الجمهور.
10 - يرى ابن ماجه أن الفعل يعتبر محرما منهيا عنه إذا رتب الشارع العقوبة على فعله.
وهذه النتائج تظهر بعض منزلة الإمام ابن ماجه العلمية في القواعد الأصولية. وهذا يدعوني إلى أن أوصي بالاهتمام بكتب الأحاديث النبوية وخصوصا الكتب المسندة التي اهتم أصحابها بكتابة عناوين لأبوابها؛ لأن ذلك يفيدنا في معرفة المراحل الأولى لتدوين القواعد الأصولية، ويفيدنا في تعرف التطور التاريخي لهذا العلم سواء في مصطلحاته أو في الآراء فيه، كما يفيدنا في إظهار أدلة أخرى للقواعد الأصولية لم يذكرها الأصوليون، ويفيدنا في تعرف بعض التطبيقات للقواعد الأصولية.
ولا يعني ذلك إغفال غيرها من الكتب كالشروح أو الكتب المؤلفة في ترتيب المدونات الحديثية، فإن لها مشاركة قوية في ذلك.
هذا وأسأل الله للجميع التوفيق والهداية للرجوع إلى المصادر الأصلية في مسائلنا العلمية. وصلى الله على نبينا محمد آله وصحبه وسلم.
مصدر بحث الشيخ الشثري: ((مجلة البحوث الإسلامية)) العداد: 63 (ص 211)
أخوكم المحب
سلمان بن عبد القادر أبو زيد
ـ[الحنبلي السلفي]ــــــــ[22 - 01 - 07, 01:13 ص]ـ
جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم.
ـ[أبو زرعة الجزيري]ــــــــ[22 - 01 - 07, 04:35 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
الشيخ حفظه الله من المعتنين بعلم الفقه وأصوله
ولكن للأسف أن غالب دروسه ليست على الشبكة العنكبوتية
ـ[عامر بن بهجت]ــــــــ[22 - 01 - 07, 08:39 ص]ـ
جزاك الله خيراً
ـ[سلطان العميري]ــــــــ[23 - 01 - 07, 10:18 م]ـ
هل لابن ماجه أراء خاصة في الأصول أو بحوث متميزة أو ملاحظ أصولية واضحة في تبويباته , إن لم يكن شيئا من ذلك فأرى أن فائدة البحث ستصبح قليلة جدا
¥