تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذه المسألة بحثناها وتكلمنا عليها في شرح عمدة الأحكام وفي شرح البلوغ وفصلنا فيها المذاهب والأدلة وقلنا إن الصحيح أن الماء المستعمل في رفع الحدث لا يسلبه الطهورية.

أولاً: لقوله-عليه الصلاة والسلام-: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء))، فإذا توضأت بهذا الماء أو اغتسلت به لرفع حدث أصغر أو أكبر فإنه باقي على أصله؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)).

ثانياً: أن هذا الماء لم يتغير أحد أوصافه لأن محل الخلاف أن لا يتغير، أما لو أنه اغتسل به من الجنابة فتغير لون الماء أو طعم الماء أو رائحة الماء فيسلبه إن تغير بطاهر فطاهر وإن تغير بنجس فنجس. مثلاً جاء واغتسل بالصابون اغتسل به من الجنابة ثم دعك بالصابون؛ لأن المنبغى إذا اغتسل من الجنابة أن يغتسل أول شيء بماء قراح ماء طهور ثم بعد ذلك إذا أراد أن يضع الصابون يضع الصابون بعد أن ينظف البدن أو يضع الصابون ثم ينظفه ثم يغسل غسلة مستقلة بماء طهور فلو أن هذا الماء اختلط به الصابون فغيره وجها واحداً، لا يتوضأ به ولا يغتسل. كلامنا إذا اغتسل بماء قراح. فقلنا إن هذا ماء باقي على أصل خلقته والأدلة التي استدلوا بها مثل حديث: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري) قالوا: إن النبي- صلى الله عليه وسلم - منع الاغتسال في الماء الدائم لأنه إذا اغتسل منع الغير أن يغتسل منه فمعناه أنه سلبه الطهورية فنقول هذا ضعيف، لأن المراد به أن لا يفسده على الغير لأن النفوس تشمئز من ماء اغتسل به الغير ولذلك قال: ((وليغترف منه اغترافاً))، فدل على أن العلة أن النفوس تشمئز من شيء استعمله الغير. والطب الآن يثبت هذا أن من الأصح للأبدان ومن باب الوقاية من الأمراض الجلدية ومن الأمراض المعدية أن لا يغتسل في داخل الماء وإنما يغتسل من خارج الماء، وحينئذٍ ليست العلة منحصرة في كونه يرفع الطهورية وإنما هناك علة محتملة وهي أن النفوس تتقذر، ولذلك قال: ((وليغترف منه اغترافاً)) فلما قال: ((اغترف منه اغترافاً) فهمنا من هذا أنه يؤثر في الماء وأشد من هذا أن بعضهم قال: يحكم بأنه بحكم المتنجس وضعيف جدا ليست بنجاسة حقيقة.

ورفع الحدث ليس كرفع الخبث قالوا: إذا رفع به حدثاً كما لو أزال به خبثاً، والفرق واضح لأن الخبث نجس والحدث ليس بنجس والنبي- صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن المؤمن لا ينجس))، فهو بحدثه لم يتنجس، ولذلك نقول أن هذا القول ضعيف والصحيح والراجح أن الماء طهور، ولذلك النبي- صلى الله عليه وسلم - توضأ بمائه ثم صبه على جابر ومما يدل على أنه طاهر وأنه لم يسلب الطهورية، وأن الصحابة-رضوان الله عليهم- أخذوا ماء النبي- صلى الله عليه وسلم -، وفي الصحيحين من حديث أبي جحيفة وهب ابن عبدالله السوائي- رضي الله عنه وأرضاه- في حجة الوداع أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان في قبة له حمراء من أدم وقال-رضي الله عنه- فخرج بلال بوضوء فمن ناضح ومن نائب، كانوا إذا توضأ-عليه الصلاة والسلام- جمُع وضوئه لبركته-عليه الصلاة والسلام- فيأخذون الماء ويتبركون به معجزة من الله-عز وجل- لما خص به نبيه لمعنى الرسالة-صلوات الله وسلامه عليه-، وهذا المعنى الذي فيه-عليه الصلاة والسلام- خاص به لمعنى الرسالة فكانوا يتبركون بمائه فلو كان نجساً كان ما أذن النبي-صلى الله عليه وسلم- بتفريقه على الصحابة، وكذلك لما صبه على جابر لما أصابته الحمى وهذا من معجزاته، توضأ-عليه الصلاة والسلام- فصب ماء وضوئه على جابر فقام كأن لم يكن به بأس -صلوات ربي وسلامه عليه-.

هذا كله يدل على أن استعمال الماء في رفع الحدث لا يسلبه الطهورية. إذا ثبت هذا فقول المصنف [أو استعمل في رفع حدث]، عند الحنابلة أولاً يستعمل في رفع الحدث فخرج ما لو استعمله في تجديد الوضوء فإنه لا يسلبه الطهورية. لو جدد به الوضوء أو اغتسل لغير حدث مثل أن يغتسل من حر لو أنه أصابته الحرارة فجاء واغتسل به يقولون يجوز أن يغتسل به من الجنابة، نقول: ما الفرق؟ معناه أنكم تسلمون أن الماء باقي على أصل خلقته، هل كونه فقط اغتسل به من الحدث يسلبه الطهورية؟ هذا ضعيف، ولذلك نقول الماء باقي على أصل خلقته بدليل أنكم تقولون أنه لو اغتسل به لتبرد أو اغتسل به من حرارة أو تنظف أنه لا يسلبه الطهورية، ولذلك قال: [استعمل في رفع حدث]، ومفهوم الصفات معتبر في المتون ومعناه أنه إذا لم يُستعمل في رفع حدث أنه باقي على أصل الطهورية والصحيح في هذا أنه لا يسلبه الطهورية، ومن هنا نخرج بالخلاصة أن العبرة بالتغير إن تغير الماء لوناً أو طعماً أو رائحة حكمنا بتأثره، إن تغير بطاهر فطاهر وإن تغير بنجس فنجس وأما إذا استعمل في رفع حدث أو تغير بغير ممازج هذا كله لا يؤثر.

قال المصنف-رحمه الله-: [أو استعمل في رفع حدث سلب طهوريته]: أي سلب ذلك الماء الطهورية، وبينا أن هذا مرجوح وليس براجح على التفصيل. بعضه راجح بالنسبة لتغير المؤثر وبعضه مرجوح بالنسبة لسلب المستعمل في رفع الحدث والذي لا يمازج الماء .. )

ويقول حفظه الله في باب الآنية أيضاً:

( .. أما الماء المستعمل في الطهارة فهو باقٍ على الأصل الموجب لاعتبار التّطهر به صحيحاً.

وذهب بعض العلماء رحمهم الله إلى عدم صحة الطهارة، وهو قولٌ في مذهب الحنابلة ورجّحه طائفة منهم، ورأوا أن النَّهي يقتضي فسادَ المنهيِّ عنه، فيُحكم بفساد الطهارة من آنية الذهب، والفضة.

والذي يترجح في نظري، والعلم عند الله هو مذهب الجمهور لصحة ما ذكروه من دلالة الأدلة على اعتبار الطهارة، وصحتها، وإثمه بالمخالفة للنهي، وأن الجهة منفكة حيث لم يرجع النهي إلى ذات العبادة، وهي الغسل، والوضوء. والله أعلم)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير