ـ[أبو عمر القصيمي]ــــــــ[01 - 02 - 07, 03:02 ص]ـ
للشيخ (زيد الزيد) رسالة صغيرة اسمها (حكم تغيير المكان بعد الفريضة لأداء النافلة) خلص فيها إلى أن المشروع للمأموم هو الفصل بين الفريضة و النافلة بكلام من الأذكار ونحوها ثم يصلي النافلة في مكانه لكي ينال فضيلة استغفار الملائكة وإذا أراد الفصل بغير الكلام فليكن بالخروج من المسجد واداء النافلة في المنزل وبالتالي يكون متنقلاً بين خيارين فاضلين:
فضيلة استغفار الملائكة
وفضيلة صلاة النافلة في المنزل
وقد ذكر الشيخ د. زيد بن عبدالكريم الزيد وفقه الله في هذه الرسالة أدلة القائلين بمشروعية تغيير المكان بعد الفريضة، وذكر منها استدلالهم بقوله تعالى (يومئذ تحدث أخبارها) وما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ثم قال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: {فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، تقول عمل يوم كذا، كذا وكذا، فهذه أخبارها} ثم ذكر الشيخ زيد أن الحديث رواه الترمذي وضعفه الألباني رحمه الله وقال الشيخ زيد: على فرض صحته فليس فيه ما يدل على شرعية تغيير المكان طلباً لفضيلة مزيد الشهود؛ لأن المكان الواحد يصلح لأن يشهد لأكثر من عبادة، ودليل ذلك شرعية اتخاذ المرء مكاناً محدداً في بيته يصلي فيه نوافله دائماً، وهذا يخالف القول بشرعية تعدد أماكن الصلاة طلباً لتكثير الأماكن التي تشهد لصاحبها، وإلا لشُرع للمرء أن يصلي في منزله كل مرة في مكان تكثيراً للشهود.
ثم ذكر الشيخ زيد دليلاً آخر لهم وهو حديث (أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر عن يمينه أو شماله في الصلاة يعني السبحة) وقال الشيخ زيد: يجاب عن الاستدلال بهذا الحديث بأمرين:
1ـ أن الحديث ضعفه بعض أئمة الحديث، فقد قال البخاري في صحيحه {ويذكر عن أبي هريرة يرفعه: لا يتطوع الإمام في مكانه ولم يصح} وقال ابن حجر رحمه الله {وقوله لم يصح هو من كلام البخاري وذلك لضعف إسناده واضطرابه، تفرد به ليث بن أبي سليم وهو ضعيف} وقال النووي رحمه الله عن حديث أبي هريرة السابق {رواه أبو داود بإسناد ضعيف وضعفه البخاري في صحيحه} وقال الشوكاني: {في إسناده إبراهيم بن إسماعيل قال أبو حاتم الرازي: هو مجهول} وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله {وقد ورد فيه ـ أي في تغيير المكان ـ حديث ضعيف عند أبي داود} ..
2ـ أن الحديث على فرض صحته فالذي يظهر من خلال كثير من الشروح أن المقصود به الإمام ..
ثم ذكر الشيخ زيد استدلالهم بحديث معاوية رضي الله عنه في صحيح مسلم وفيه {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج}
ثم قال:
ويناقش الاستدلال بهذا الحديث هنا بأمور:
1ـ أن الحديث أورده الراوي في صلاة الجمعة وهو ما يدل عليه صنيع الإمام مسلم حيث أورده في (كتاب صلاة الجمعة) وللجمعة خصوصية دون غيرها ... ففي الجمعة محذور لا يوجد في غيره وهو أن بعض الناس ـ جهلاً منهم ـ يعيد صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة، أو يصليها أربعاً احتياطاً .. فربما تظاهر بأنه يتنفل وهو يصلي أربعاً، أو ربما ظن من يراه يصلي أربعاً أن صلاة الجمعة أربع؛ فلذلك أخذت النافلة بعد الجمعة حكماً خاصاً.
2ـ وعلى القول بعموم الحديث لصلاة الجمعة وغيرها، كما هو الظهار، فإن الحديث دليل للمخالفين لهذا القول، فقد ذكر خيارين: الأول (حتى نتكلم) والثاني (نخرج) والمراد الخروج من المسجد، وعلى هذا فالحديث يدل على شرعية الفصل، وشرعية الفصل تكون كما بينها المصطفى صلى الله عليه وسلم (تكلم أو تخرج) والفصل بالكلام يحصل بما شرع الله من الأذكار كقوله: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ... وإذا لم يفصل بالكلام فبالخروج من المسجد، ويؤيده أن الأصل في النافلة أنها صلاة البيوت، والخروج من المسجد إلى المنزل لأدائها فيه موافق للأصل، وهو أفضل من أدائها في المسجد، أما الذي غيّر المكان داخل المسجد، فلم ينل فضيلة صلاة النافلة في المنزل، وفوت فضيلة أداء النافلة في مكان الفريضة كما سيأتي تبيينه.
ثم ذكر الشيخ زيد أدلة أخرى ومناقشات لها، ثم قال:
.. ولما لم يثبت شيء من ذلك صريحاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يشتهر ذلك من فعل الصحابة رضي الله عنهم دل على أن الموضوع محل استنباط، وأنه مما تتعدد فيه الرؤى تبعاً لما يُفهم من النصوص الواردة في هذا الشأن، وإذا علمنا أنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فضيلة البقاء في المكان الذي أديت فيه صلاة الفريضة، وأن الملائكة تستغفر للمصلي ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، فإذا فصل بين الفريضة والنافلة بالأذكار ـ بنية أداء صلاة النافلة بعد ذلك ـ فهو في مصلاه وهو منتظر للصلاة، ثم أدى النافلة في مكانه ولم ينتقل، فإن الملائكة تستغفر له، وهذا ثابت في الصحيحين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ... ثم ساق الحديث الذي فيه {والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه} ثم قال الشيخ زيد:فمن بقي في مكانه حتى انتهائه من صلاة النافلة، فالحديث صريح في استمرار استغفار الملائكة له حتى ينتهي من صلاته، ومن غيّر مكانه إلى مكان آخر داخل المسجد فالفقهاء على قولين في دخوله في حديث استغفار الملائكة. وتغيير المكان لأجل النافلة لم يثبت، فلماذا نتعبد الله عزوجل بعبادة لم تثبت، أو مختلف فيها، في مقابل تفويت عبادة ثابتة في الصحيحين، هي استغفار الملائكة لمن بقي في مكانه ذاكراً الله عازماً على أداء صلاة. وعلى هذا فالمتنفل بعد الفريضة، إما أن يبقى في مكانه وبعد الأذكار يؤدي النافلة فيه، وإذا تركه وفوت استغفار الملائكة، فليكن إلى ما هو أفضل، وهو أداء النافلة في المنزل.
هذا خلاصة بحث الشيخ زيد الزيد وفقه الله بتصرف يسير مني.
¥