غير أن التزامه المذهبي فرض عليه الدفاع عنه والاشتغال بخدمته فعمد إلي جمع القواعد الأصولية التي بنيت عليها فروعه و نظمها في مؤلف سماه مراقي السعود خصص مقدمته لشرح الهدف نفسه:
هذا ولما أن رأيت المذهب رجحانه له الكثير ذهبا
وما سواه مثل عنقا مغرب في كل قطر من نواحي المغرب
أردت أن أجمع من أصوله ما فيه بغية لذي فصوله
ويتلخص موقف ابن الحاج إبراهيم من الاجتهاد في الأبيات التالية:
والمجمع اليوم عليه الأربعة وقفوا غيرها الجميع منعه
إذا سمعت فالإمام مالك صح له الشأو الذي لا يدرك
للأثر الصحيح مع حسن النظر في كل فن كالكتاب والأثر
[الرجز]
يشير الشطر الأخير من البيت إلي المستند التشريعي الذي اعتمد عليه المالكية في تفضيلهم الأخذ بالآراء المنقولة عن الإمام مالك دون غيره وذلك للحديث المروي المتضمن الإشارة إلي ما سيلقاه هذا الإمام من قبول وإقبال من طرف معاصريه < يوشك أن تضرب أكباد الإبل >
إذَا أفضلية الإمام مالك وأحقية مذهبه بالإتباع لها جذورها التأسيسية فضلا عن مبرراتها الموضوعية عند أتباعه من الموريتانيين شأنهم في ذلك شأن غيرهم من مالكية الغرب الإسلامي
ولا يجد ابن الحاج إبراهيم انطلاقا من موقفه هذا حرجا من القول بمنع العمل بظاهر النصوص والاستدلال بها من غير المجتهدين
من لم يكن مجتهدا فالعمل منه بمعني النص مما يحظل
[الرجز]
رغم أنه هو خرج علي المذهب في بعض المسائل عملا بمقتضى
النصوص وذلك يعني أنه اعترف لنفسه ببلوغ مرتبة الاجتهاد وإن كانت المقيدة منها أو المذهبية التي يعنيها بقوله
مجتهد المذهب من أصوله منصوصة أولاحوى معقوله
وشرطه التخريج للأحكام علي نصوص ذلك الإمام
[الرجز]
لذا تقيد بقواعد المذهب وأصوله في جميع اجتهاداته المخالفة للآراء الراجحة فيه مثل المصلحة والعرف والعادة التي شغله ضبطها ليلا يتصدى للتأسيس عليها من لايتقن شروط اعتبارهاوالعمل بمقتضاها فألف رسالة بهذا الشأن سماها < طرد الضوال الهمل عن الكروع في حياض العمل > بين فيها أقسام العرف والمعتبرمنه مستدلا بآراء العلماء الذين بحثوه كالقرافي وابن فرحون منبها علي ماللعرف البدوي من خصوصيات ثم تناول الحديث عن الفتوي ومجالها مشددا علي ضرورة تجنبها لغير المجتهدين
ويتضح أن دافع الرجل لتأليف هذه الرسالة وضع منهاج لترشيد خطة الفتوى التي ازدهرت في عصره وتعددت منابرها وحرصا على تدعيم ا لإجماع الصحراوي القائم على المشهور أوالمتفق عليه من الآراء المالكية كما أشار إليه القلاوي في نظمه للكتب المعتمدة
وما به الفتوى تكون المتفق عليه فالراجح سوقه نفق
[الرجز]
ولا يستبعد أن تكون الصرامة التي انتهجها الفقهاء في هذا المجال سدا للباب أمام فوضي اجتهادية قد لا تسلم من انحرافات من غير المتأهلين أو أصحاب الأهواء فتشددوا في منع الفتوى بغير ما في التقول الفقهية المعتمدة في البلد لتبقي للنص قدسيته وليلا تلتبس علي الناس أمور دينهم بسبب تضارب الأقوال لو فتح ذلك المجال حفاظا علي نوع من الإجماع المتحصن بالمذهب المالكي يمكن تسميته “بالإجماع البدوي” ولو من باب الاحتراس.
ولعل هذا ما حمل علماء آخرين بعد جيل ابن الحاج إبراهيم أن يبقوا متمسكين بالفكر المذهبي مدافعين عنه مع معرفتهم القوية بعلم القرآن والحديث ووجودهم في عصر تدفق المعارف وانتشارها بفعل ظهور المطابع وتطور وسائل الكتابة التي استفادوا منها لنشر مؤلفاتهم والاطلاع على ما لم يكن متاحا من علوم الشرع وهو ما حصل لابن ما يأبي محمد حبيب الله الذي هاجر واخوته بعد دخول الفرنسيين للديار الموريتانية واستقر بين مصر والحجاز وكان له مناسبة للإشتغال بالتأليف في الحديث مهتما بجمع الصحيح المتواتر وهو ما جسده بالفعل في كتابه زاد المسلم فيما اتفق عليه البخا ري ومسلم الذي جمع فيه الأحاديث الصحاح التي سلم الشيخان بصحتها وعلق عليه بشرح طغت فيه ملكته الفقهية وتوجهه المالكي إذ كان لا يجد مجالا إلا نبه فيه علي رأي المالكية ومستندهم مع استشهاده بأنظام ابن الحاج إبراهيم الأصولية والحديثة ونوازله الفقهية فجاء كتابه موسوعة في الحديث والفقه المالكي الذي يتجسد وفاؤه لطروحاته التأسيسية في تأليفه الخاص بتبيين المنهج الذي سلكه مالك في كتابه الموطأ والموسوم ب < دليل السالك إلي موطأ الإمام مالك> وتتضح من مقدمته
¥