حيرته في التوفيق بين قناعته المذهبية وما تأثر به من دعوات إصلاحية
هذا ولما في الدليل فرطا بعض وبعض فيه جهلا أفرطا
وكان بين دين نهج الحق قلت بتوفيق القوي الحق
خاتمة في نصرة الدليل والاحتجاج بأصح القيل
وهو الذي يدعي بالاستدلال لسائر الفروع والأقوال
وحده الذي به قد انضبط وهو الذي مرادنا به ارتبط
إقامة الدليل من قول النبي أو الكتاب لفروع المذهب
فكيف يمنع علي من انقدح في ذهنه من ذين ماله اتضح
[الرجز]
كما هو واضح من الأبيات يشخص الرحل أزمة تعيشها الحياة التشريعية التي يتنازعها قطبان كلاهما تجاوز الحد في تعامله مع الدليل سلبا أو إيجابا فالفروعييون أهملوه ظهريا بينما أفرط ألا مذهبية في الدعوة للدليل دون علم ومعرفة تامة بمضامينه ومقاصده والأولي التوسط في المنهجين ألا يهمل أهل الفروع التبصر والبحث عن دليل لفروع مذهبهم كما لا ينبغي الاعتماد كلية علي الأصول وإهمال الفروع الفقهية التي هي ليست سوى أفهام العلماء واجتهاداتهم التطبيقية المنطلقة من النصين ذلك ما يقترحه ابن مايابي للتوفيق بين التوجهين وهو مقترح و إن اتسم بحيادية الطرح فإنه ما يلبث أن يختفي وراء منزعه الفروعي المعارض للاجتهاد وذلك بقوله في نفس النظم:
وحيثما يكون الاستنباط للحكم فالمنع به يناط
لأن ذا وظيفة المجتهد والآن يفقد بكل بلد
أعني به مجتهد الاطلاق فهو معدوم بالإتفاق
فمن تمسك بكل ما ظهر من الكتاب وكذا من الخبر
من أهل ذا العصر فللضلال أقرب منه لصلاح الحال
إذ ذا يؤدي لانتهاك حرمه نص الكتاب وصحيح السنة
لم تخرج الأبيات عن الخط العام للتقليد واجترار مقولاته التي ظهرت منذ العصور الظلامية وتردد صداها حتى هذا القرن من نحو استحالة الاجتهاد لتعذر وجود المتأهلين له وإن تيسرت الوسائل لانصراف همم أهل العصر عنه وتعلقها بطلب الدنيا علي حد قول شقيق محمد حبيب الله محمد العاقب < ت 1325 >
والاجتهاد اليوم صار أيسرا لو كان إنسان له ميسرا
لهذه الأسباب ولغيرها من استحكام النصانية المالكية والنأي تورعا عن القول بالرأي في النص وحفاظا علي متانة الإجماع البدوي راجت هذه المقولات التي تتخذ من النظم وعاء لها في موريتانيا لتظل راسخة في النفوس علي شاكلة قول النابغة:
والاجتهاد في بلاد المغرب طارت به في الجو عنقا مغرب
[الرجز]
وقول الآخر:
وأهل مغرب عليهم يمنع غير الإمام مالك أن يتبع
لفقد غيره وكل خارج عن نهجه فهو من الخوارج
[الرجز]
مدرسة الاجتهاد ورفض التمذهب:
قامت دعوة هذه المدرسة علي العمل بالكتاب والسنة ونبذ التقليد والجمود في دائرة تفريعات وخلافات ابتعدت عن الأصول ولم تعد تستجيب لضرورات الواقع وقد ظهرت في القرن 13 ه عند محمد ابن حبيب الله < ت 1203 ه > () الذي كان لرحلته للحجاز عظيم الأثر في التزود بهذه الأفكار وترويجها بعد رجوعه في الأوساط الفقهية بموريتانيا التي عمل جهده فيها علي مناهضة الركيزتين اللتين تأسست عليهما هذه الثقافة وهما الأشعرية في المجال العقدي والمالكية في المجال التشريعي
ففي العقيدة ناقش ثنائية العقل والنقل المتأصلة في الفكر الأشعري معتبرا أن الاعتماد علي العقل لإثبات معرفة الله تبارك وتعالي فيه إقصاء لوظيفة النبوة < إما أن يكون العقل يوصل إلي معرفة الله وإثبات وحدانيته وعلمه وقدرته أولا؟ فإن كان يوصل إلي ذلك _ ومن عرف الله لا يخلد في النار _ فقد صار بعث الرسل عبثا نعوذ بالله من اعتقاد ذلك وإن كان لا يوصل إلي الله فأي فائدة حينئذ إلا التعب والإضلال والضلال >
ويصل لمجيد ري من استشكالا ته بشأن مكانة العقل عند الأشعرية إلي القول بأن < العقول لا مدخل لها في الشريعة إلا من جهة قبولها والإيمان بها لا غير >
وفي مجال الصفات الواجبة للذات العلية يناقش تقسيم الأشعرية لها إلي سلبيات ومعنويات ومعان وحصرهم الواجبة في عشرين صفة علي غرار قول الأزهري في مختصره:
واحفظ لمولي الخلق عشرون صفه تكن بها في ظرف مزخرفة
فيعتبر هذا التقسيم لا أساس له في الشرع لم يرد في كتاب الله ولا عن نبيه < لم يرد عنه صلي الله عليه وسلم ولا عن أ صحابه ما يشهد له وينبغي وصفه بما ورد في كتابه أ و ورد علي لسان رسوله وإن كان ظاهرها مستحيلا كما في آية الاستواء التي يجب الإيمان بها علي مراد الله بها اللائق بجلاله ولا تؤول >
¥