الكتاب والسنة و الإجماع > لأن الآباء هم مصدر الاستمرار والنماء في الكائنات الحية فكذلك هذه هي مصدر العطاء المستمر في التفكير الفقهي وظهر لي أن الأمر ادعوهم أمر بالقياس ورد علي نفاته، فإن لم تعلموا آباءهم،أ ي فإن لم يتيسر لكم ما يقاس عليه أو يخرج فلكم عوض عن ذلك وهو الأدلة في كتاب الأصوليين، مواليكم وهي ما عدي كتاب الاستدلال من الاستدلال الخاص كقواعد المذهب
ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به يعني معني الحديث إذا اجتهد الحاكم وكان الله غفور رحيما فيه تأنيس للمستدلين وعدم تنفير من القضاء >
هكذا يؤصل الشيخ محمد المامي لمنهجه التوفيقي الذي وجد لتطبيقه والدعوة له عنتا ومعارضة من معاصريه الذين سدوا عليه باب الاجتهاد والنظر في النوازل كما يتضح من الأسلوب الجدلي الذي اتبعه في تبليغ أفكاره مثل قوله < وقد منع النظر في النوازل معاصرون لا تمر بهم سبعة أيام إلا اجتهدوا في نازلة ويردون دعوى من التمس لهم السلامة باطلة
وبنوع من استعراض الجهد يخاطبهم بقوله:
ولو شئنا لمذهب اخترعنا ولكن لا نشاء ولا نشاء
وإن تنظر من الديباج ذيلا تجد ما فيه للنفس شفاء
[الوافر]
وكما عارض الجمود علي النصوص عاب القفز عليها دون المرور بالسلم الموصلة إليها التي هي أدلة المذاهب وقواعدها التفريعية فلذا ظل يدور في فضاء مذهبه الذي يقول عنه:
وأما الذي لم يعتقد فضل مالك ويتلوه فهو العابث المتردد [الطويل]
ويقول < بيد أني لا أحتج إلا بنص في مذهب مالك فليعانقه من كان أهلا لذلك قال أديب معرة النعمان:
أري العنقاء تكبر أن تصادا فعاند من تطيق له عنادا
واضح من أسلوب البيت أن صاحبه تعرض لحملة انتقادات قوية وعدم إنصاف من معاصريه فرضت عليه اتباع أسلوب قوي في الحجاج والرد وقد اعترف هو نفسه بنظرة معاصريه له وبررها بقوله < المعاصرة تمنع المناصرة
لكن تعلقه بأن يكون المصلح” القرني ” هون عليه كل شيء لبلوغ هدفه وهذا يفسر تعلقه بالتجديد وتشبثه بوسائله نفهم علي هذا تحفظه علي القول بأن للاجتهاد رتبة لا يمكن الوصول إليها < اتفقت الأمة علي بلوغ الأئمة مرتبة الاجتهاد المطلق فصارت الأمة أرباعا لقلة المرتبة فقيل لم يوجد بعد الأئمة مجتهد مطلق وقيل لا بد من وجوده بشروطه”
ويعقب علي تعذر مرتبة الاجتهاد المطلق_ علي التسليم بها_ بأن ذلك لا يكون عذرا في إهمال المراتب الأخرى التي يري من الضرورة فتح المجال لها ولو في التخريج علي أدلة المذاهب ليلا تعطل أحكام الشريعة يقول:
بقينا وعصر الاجتهادات قد مضي فما الرأي لم يفت فينا مقلد
وقد ركز في هذا المجال علي تفصيل التخريج وشرح منهجه ودواعيه معتبرا أنه يشبه القياس في بعض جوانبه لأنه ” جعل مسائل الإمام أصلا والنوازل فرعا فكان الأحظى لصاحبه بل الواجب عليه أن يتقن القياس ويتعلم مسالك العلة والقوادح ” و لا يلبث أن يتفطن أن هذه الشروط قد يصعب تحصيلها في زمن كلل الهمم فيعود إليه بالتفصيل مستنجدا بآ راء من سبقه من المالكيين في تسهيلها درء لمفسدة تعطيل الأحكام
< أردت أن أبين للمقلدين مثلي أن لهم شبهة في التخريج علي العادة للمصلحة ومما يستشكل في ذلك أيضا أن تعليل ابن عرفة لجواز تخريج المقلد علي قول مقلده لخوف تعطيل الأحكام يشمل كل مقلد حتى مقلدي أهل زماننا
ونختم جولتنا مع الرجل بالقول إنه كان شخصية شمولية التفكير متعددة الجوانب حريّة بالدرس والتمحيص وهو لإن عاني من ظلم معاصريه فقد أهمله الحاضرون فما زالت مؤلفاته رغم أهميتها وطرافتها مخطوطات كما تركها هو
بين هذه الاتجاهات الثلاثة تتأرجح مواقف الموريتانيين من الاجتهاد من رافض له أو مؤيد لفتحه بلا حدود أو سالك منهجا توفيقيا وسطا بين المنهجين وهو الأكثر قبول لدى الأجيال الفقهية اللاحقة لجيل محمد المامى.
وسينعكس هذا التأرجح على المدونات الإفتائية التي هي ثمرة المواقف والقناعات المشكلة للمنظومة الفكرية.
*أستاذ الفقه والأصول في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية – نواكشوط -موريتانيا
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[01 - 02 - 07, 12:19 ص]ـ
جزاك الله خيرا