القول الثاني: إن عدتها سنة بعد انقطاع الحيض. وهذا رأي المالكية والحنابلة والشافعي في القديم وجماعة من العلماء ().
القول الثالث: إن عدتها ثلاثة أشهر، كحكم اللائي يئسن.
قال طاووس: "إذا كانت تحيض مختلفًا أجزاء عنها أن تعتد ثلاثة أشهر" ().
وروي مثله عن جابر بن زيد. كما روي عن عكرمة وقتادة مثلهما، وروي مثله أيضًا عن ابن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهما (). كما أنه مذهب الزهري ومجاهد (). ومال إليه ابن رشد ().
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بقوله تعالى: ?وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ? [الطلاق: من الآية4] فظاهر الآية صريح في الحكم للآيسة والصغيرة ()، ويحمل قوله ? إِنِ ارْتَبْتُمْ ?، أي في الحكم لا في اليأس.
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1 - ما رواه سعيد بن المسيب قال: قال عمر بن الخطاب: "أيما امرأة طلقت، فحاضت حيضة أو حيضتين، ثم رفعت حيضتها، فإنها تنتظر تسعة أشهر، فإن بان بها حمل، وإلاّ اعتدّت بعد التسعة الأشهر ثلاثة أشهر ثم حلت " (). قال ابن المنذر: "قضى به عمر بين المهاجرين والأنصار ولم ينكره منكر " ().
2 - أن المقصود بالعدة إنما هو ما يقع به براءة الرحم ظنًا غالبًا، بدليل أنه قد تحيض الحامل ()، وإذا كان الأمر كذلك، فعدة الحمل كافية في العلم ببراءة الرحم، بل هي قاطعة على ذلك ().
واستدل أصحاب القول الثالث بقوله تعالى: ?وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَع ِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ? [الطلاق: من الآية4] قال مجاهد: "إن لم تعلموا يحضن أو لا يحضن، واللائي قعدن عن المحيض، واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر" (). ففسر قوله تعالى: ? إِنِ ارْتَبْتُمْ?، أي لم تعلموا، وقول مجاهد: "واللائي قعدن عن الحيض"، أي حكمهن حكم اللائي يئسن. قال ابن حجر: "وأثر مجاهد هذا وصله الفريابي" ().
وعن عكرمة أنه سئل عن التي تحيض فيكثر دمها حتى لا تدري كيف حيضتها؟ قال تعتد ثلاثة أشهر، وهي الريبة التي قال الله عز وجل: ? إِنِ ارْتَبْتُمْ?، قضى بذلك ابن عباس وزيد بن ثابت ().
المناقشة:
أما استدلال أصحاب القول الأول بالآية: ?وَاللَّائِي يَئِسْنَ ? [الطلاق: من الآية4] على أن معناه: لم تعلموا ما حكمهن، ونفيهم لأن يكون المعنى: الارتياب في اليأس، فيجاب عنه بأنه يجوز في كلام العرب كون المعنى عدم القطع باليأس. وقد ورد عن ابن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهما معنى ذلك، وورد عن بعض التابعين كمجاهد والزهري وغيرهما ().
القول الراجح:
إن مدار الأدلة في هذه المسألة هي حول قوله تعالى: ?وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ ? [الطلاق: من الآية4] وقد صار أصحاب القول الأول إلى الاستدلال بظاهر هذه الآية، باعتبار أن من هي من أهل الحيض ليست بيائسة، وهذا الرأي كما يقول ابن رشد () فيه عسر وحرج، وأضاف ابن رشد: "ولو قيل إنها تعتد بثلاثة أشهر لكان جيدًا، إذا فهم من اليائسة، التي لا يقطع بانقطاع حيضها". وهذا ما ظهر أنه جائز في كلام العرب ويؤيد ذلك ما نقله عكرمة وهو تلميذ ابن عباس عن ابن عباس وزيد بن ثابت.
وإذا كان المقصود من العدة التيقن من براءة الرحم فإنه يستعان بالفحص الطبي في إثبات ذلك.
فالطب الآن يقطع ويجزم بحمل المرأة أو عدم حملها، بعد مضي ثلاثة أشهر من طلاقها، بل في أقل من ذلك بكثير، فإن لم يُظهر أحد هذه الفحوصات الحملَ، فلا بد أن يكون الحيوان المنوي قد مات منذ بداية اعتداد المطلقة.
المبحث الثالث: طلاق الحامل
تعريف الطلاق لغة واصطلاحًا:
الطلاق لغة: الطالق: الناقة يحل عنها عقالها وترسل في المرعى، وأطلقت الأسير أي خليته. قال ابن منظور: طلاق النساء لمعنيين: "أحدهما حل عقدة النكاح، والآخر: بمعنى التخلية والإرسال" ().
والطلاق في الاصطلاح: حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه ().
حكم طلاق الحامل:
وليس في حكم طلاق الحامل خلاف كبير بين الفقهاء، والأقوال في ذل كما يلي:
القول الأول: إن طلاق الحامل حرام، إذا كانت تحيض مع الحمل. وبه قال بعض المالكية منهم القاضي أبو الحسن، وهو قول أبي إسحاق من الشافعية ().
¥