وأما الحمل الذي تنقضي العدة بوضعه فله تفصيل عند الفقهاء:
*أ- يرى الحنفية أن المراد الذي تنقضي عدة الحامل بوضعه هو ما استبان بعض خلقه أو كله، فإن لم يستبن بعضه لم تنقض العدة؛ لأنه إذا استبان فإنه ولد، وإذا لم يستبن جاز أن يكون ولدًا وغير ولد، فلا تنقضي العدة بالشك ().
*ب- ويرى المالكية أن الحامل إذا وضعت علقة أو مضغة فقد حلت وانقضت عدتها ().
*ج- أما الشافعية والحنابلة (): فتنقضي العدة عندهم بانفصال الولد حيًا أو ميتًا، ولا تنقضي بإسقاط العلقة والدم؛ لأنها لا تدري هل هو ما يخلق منه الآدمي أو لا، ولا يتعلق به شيء من الأحكام؛ لأنه لم يثبت أنه ولد، لا بالمشاهدة ولا بالبينة.
الراجح:
الذي يظهر من خلال استعراض آراء المذاهب المختلفة، أن مدار الحكم في انتهاء العدة بوضع الحمل، مبني على تبين الولد من عدمه. سواء كان ذلك من خلال الفحص الطبي وهو البينة، أو المشاهدة من القوابل أو الأطباء. فإذا لم تقم المرأة بالفحص الطبي، فإنه يشترط استبانة خلق آدمي فيما أسقطته المرأة، للتيقن في الحكم بانتهاء العدة.
وأما إذا تبين بالبينة من خلال الفحص الطبي تخصيب البويضة، واستقرارها في الرحم، فإن ذكل مبتدأ حمل، فإذا أسقطت المرأة بعد ذلك، وشهد أكثر من طبيب أن ما أسقطته هو نطفه لإنسان أو علقة أو فوق ذلك، ويظهر ذلك للأطباء من خلال الفحوصات الطبية المختلفة. فكل ذلك بينة يحكم بها على انتهاء العدة بوضع الحمل ().
المطلب الثالث: الارتياب في العدة:
اختلف الفقهاء في موضع الارتياب كثيرًا. وعرّفوا المرتابة: "بأنها التي ارتفع حيضها ولم تدر ما سببه من حمل أو رضاع أو مرض " ().
تسمى المرتابة في أثناء العدة من الطلاق عند العلماء: المختلفة الأقراء، أو المرتابة بالحيض، أو ممتدة الطهر.
وقد اختلف العلماء في حكم انتهاء عدة المطلقة المرتابة بالحيض على ثلاثة أقوال:
القول الأول: إن عدتها تستمر حتى تحيض ثلاث حيضات، أو تبقى حتى تدخل في سن اليأس الذي لا تحيض في مثله مثلها من النساء، فإذا دخلت في سن اليأس، استأنفت عدة الآيسة ثلاثة شهور.
وهذا مذهب الحنفية والشافعية في الجديد وابن حزم والليث بن سعد والثوري، وجماعة من العلماء واعتبره ابن حجر مذهب أكثر فقهاء الأمصار ().
القول الثاني: إن عدتها سنة بعد انقطاع الحيض. وهذا رأي المالكية والحنابلة والشافعي في القديم وجماعة من العلماء ().
القول الثالث: إن عدتها ثلاثة أشهر، كحكم اللائي يئسن.
قال طاووس: "إذا كانت تحيض مختلفًا أجزاء عنها أن تعتد ثلاثة أشهر" ().
وروي مثله عن جابر بن زيد. كما روي عن عكرمة وقتادة مثلهما، وروي مثله أيضًا عن ابن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهما (). كما أنه مذهب الزهري ومجاهد (). ومال إليه ابن رشد ().
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بقوله تعالى: ?وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ? [الطلاق: من الآية4] فظاهر الآية صريح في الحكم للآيسة والصغيرة ()، ويحمل قوله ? إِنِ ارْتَبْتُمْ ?، أي في الحكم لا في اليأس.
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1 - ما رواه سعيد بن المسيب قال: قال عمر بن الخطاب: "أيما امرأة طلقت، فحاضت حيضة أو حيضتين، ثم رفعت حيضتها، فإنها تنتظر تسعة أشهر، فإن بان بها حمل، وإلاّ اعتدّت بعد التسعة الأشهر ثلاثة أشهر ثم حلت " (). قال ابن المنذر: "قضى به عمر بين المهاجرين والأنصار ولم ينكره منكر " ().
2 - أن المقصود بالعدة إنما هو ما يقع به براءة الرحم ظنًا غالبًا، بدليل أنه قد تحيض الحامل ()، وإذا كان الأمر كذلك، فعدة الحمل كافية في العلم ببراءة الرحم، بل هي قاطعة على ذلك ().
واستدل أصحاب القول الثالث بقوله تعالى: ?وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَع ِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ? [الطلاق: من الآية4] قال مجاهد: "إن لم تعلموا يحضن أو لا يحضن، واللائي قعدن عن المحيض، واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر" (). ففسر قوله تعالى: ? إِنِ ارْتَبْتُمْ?، أي لم تعلموا، وقول مجاهد: "واللائي قعدن عن الحيض"، أي حكمهن حكم اللائي يئسن. قال ابن حجر: "وأثر مجاهد هذا وصله الفريابي" ().
¥