تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجهُ الثّاني: أنْ يكونَ قدْ صارَ لهُ في الباطلِ جاهٌ و شهرةٌ و معيشةٌ، فيشقُّ عليه أن يَعترفَ بأنّه باطلٌ فتذهبُ تلك الفوائدُ.

الوجه الثالثُ: الكِبْرُ، يكونُ الإنسان على جهالةٍ أو باطلٍ، فيجيءُ آخَرُ فيبيّنُ له الحُجّةَ، فيرى أنّه إن اعترف كان معنى ذلك اعترافُه بأنّه ناقصٌ، و أنّ ذلك الرّجلَ هو الذي هداهُ، ولهذا ترى من المنتسبينَ إلى العلم من لا يشقُّ عليه الإعترافُ بالخطأ إذا كان الحقُّ تبيّنَ له ببحثه و نظره، و يشقُّ عليه ذلك إذا كان غيرُه هو الذي بيّنَ له.

الوجهُ الرابعُ: الحسدُ، و ذلك إذا كان غيرُه هو الذي بيّن الحقَّ فيرى أنّ اعترافَه بذلك الحقِّ يكون اعترافًا لذلك المُبيِّنِ بالفضل و العلم و الإصابةِ، فيَعْظُم ذاك في عيون النّاس، ولعلّه يتبَعه كثيرٌ منهم، و إنّ لتجدُ [4] منَ المنتسبينَ إلى العلم من يحرصُ على تخطئةِ غيره من العلماءِ و لو بالباطل، حسدًا منه لهم، ومحاولةً لحطِّ منزلتهم عندَ النّاسِ.))


[1]: في كتابه: " القائدُ إلى تصحيحِ العقائدِ " [بتحقيق الشيخ الألباني رحمه الله و نشر المكتب الإسلامي، ط 3، 1404]
[2]: أي: عدم اعتراف صاحب الهوى بالحقّ يكون من أسباب. [أبو حاتم]
[3]: كذا في الأصل، ولعلّ الصوّاب: أن يرى الإنسان أنّ اعترافه بالحقّ ... [أبو حاتم]
[4]: كذا، و الصّواب: و إنّك لتجد ... [أبو حاتم].

.................................................. .................................................. .................................................. ..........
((و مخالفةُ الهوى للحقِّ قد تكونُ لمشقَّةِ تحصيلهِ، فإنّهُ يحتاجُ إلى البحثِ و النّظرِ، و في ذلك مشقّةٌ، و يحتاجُ إلى سؤالِ العلماءِ و الاستفادةِ منهم و في ذلك ما مرَّ في الاعتراف، و يحتاج إلى لزومِ التّقوى طلباً للتّوفيقِ و الهدى و في ذلك ما فيهِ منَ المشقّةِ.
و قد تكونُ لكراهيةِ العلمِ و الاعتقاد نفسهِ و ذلك من وجهات [1]، الأوّلُ ما تقدّمَ في الاعترافِ، فإنّه كما يشقُّ على الإنسان أن يعترفَ ببعض ما قد تبيَّنَ له، فكذلك يشقّ عليه أن يَتبيّنَ له، فيشقُّ عليهِ أن يتبيّنَ بطلانَ دينه، أو اعتقادِه، أو مذهبِه، أو رأيِه الذي نشأ عليه؛ و اعتزَّ به و دعا إليه، و ذبَّ عنه، أو بطلانَ ما كان عليه آباؤُه و أجدادُه و أشياخُه، ولا سيما عندما يلاحِظُ أنّه إن تبيّنَ له ذلك تبيّن أنّ الذين كان يُطريهم و يُعظِّمُهم، ويُثني عليهم بأنهّم أهلُ الحقِّ و الإيمانِ و الهدى و العلم و التّحقيقِ، هم على خلافِ ذلك، و أنّ الذين يحَقرُهم و يذمُّهم و يسخَرُ منهم و ينسبُهم إلى الجهلِ و الضّلالِ و الكفرِ هم المحقّونَ [2]، و حسبُك ما قصّهُ اللهُ عزّ و جلّ من قول المشركينَ، قال تعالى: {وَ إِذْ قَالُوا اللّهُمَّ إنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بَعَذَابِ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32]. فتجدُ ذَا الهوى كلّما عُرضَ عليه دليلٌ لمخالفيه أو ما يوهنُ دليلاً لأصحابهِ، شقَّ عليه ذلك و اضطربَ و اغتاظَ و سارع إلى الشّغَبِ، فيقول في دليل مخالفيه: هذه شبهةٌ باطلةٌ مخالفةٌ للتقطيعات [3]، و هذا المذهبُ مذهبٌ باطلٌ لم يذهبْ إليه إلاّ أهلُ الزيغ و الضّلال ... ، و يؤكّدُ ذلك بالثّناءِ على مذهبه و أشياخِه ويُعدّدُ المشاهيرَ منهم ويُطريهم بالألفاظ الفخمةِ، و الألفاظ الضّخمة، و يَذكُر ما قيل في مناقبِهم و مثالبِ مخالفيهم، و إن كان يعلمُ أنّه لا يصحُّ، أو أنّه باطلٌ!
و من أوضحِ الأدلّة على غلبةِ الهوى على النّاس أنهم - كما تراهم - على أديانٍ مختلفة، ومقالاتٍ متباينةٍ، ومذاهبَ متفرّقةٍ، وآراء متدافعةٍ، ثمّ تراهم كما قال الله تبارك و تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الرّوم: 32]
فلا تجدُ من ينشأُ على شيءٍ من ذلك و يثبتُ عليه؛ يرجعُ عنه إلاّ القليل، و هؤلاء القليل يكثر أن يكون أوّلَ ما بعثهم على الخروج عمّا كانوا عليه أغراضٌ دنيويةٌ. [4]
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير