وقال النووي رحمه الله: (فرع) قال الشافعي والأصحاب: لا يجوز السعي في غير موضع السعي؛ فلو مرّ وراء موضع السعي في زقاق العطارين أو غيره لم يصح سعيه؛ لأن السعي مختص بمكان فلا يجوز فعله في غيره كالطواف. (المجموع شرح المهذب للنووي 8/ 102)
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في كتابه أضواء البيان في تفسير القرآن: اعلم أنه لا يجوز السعي في غير موضع السعي، فلو كان يمر من وراء المسعى حتى يصل إلى الصفا والمروة من جهة أخرى لم يصح سعيه؛ وهذا لا ينبغي أن يختلف فيه. (أضواء البيان في تفسير القرآن 5/ 253)
إلا أن العلماء المجوزين للتوسعة الجديدة للمسعى والعلماء المانعين لها اختلفوا في مدى تحقق البينية والمسامتة للصفا والمروة في هذه التوسعة، وهل هي فعلا واقعة في المجال المحصور بين الجبلين غير خارجة عن حدودهما العرضية؟ كما يرى العلماء الذين جوزوها، أم أنها خارجة عن الحد الشرقي للجبلين وغير متحققة فيها البينية، كما يرى العلماء الذين منعوها، بعد أن اتفقوا على أن التقيد بالبينية في السعي بين الجبلين واجب، مع العلم بأن الجهة التي تمت فيها التوسعة الجديدة للمسعى هي الجهة الشرقية فقط من المسعى القديم، أما الجهة الغربية منه فلم يتم الاستفادة منها في ذلك، بسبب وجود المسجد الحرام فيها، ولذلك فقد تم أخذ التوسعة كلها من الناحية الشرقية، وهي الجهة المقابلة للجهة التي فيها المسجد الحرام.
وقبل البداية في عرض تفاصيل هذا البحث، والتعمق في طرح المسألة، أفضل أن أقدم بين يدي ذلك خريطة أو رسما تقريبيا قمت بإعداده لتوضيح المراحل التي مرت بها بعض المعالم الرئيسية للمنطقة المحيطة بالمسعى، والزيادات التي حصلت في المسجد الحرام، منذ زمن النبي عليه الصلاة والسلام إلى زمن التوسعة السعودية الأخيرة التي حصلت في المسجد الحرام قبل إضافة المسعى الجديد، وسوف أعود للإشارة إلى هذا الرسم التقريبي عند الحاجة إليه في أثناء البحث، لعرض أدلة العلماء المجوزين والمانعين، دون الحاجة إلى تكرار عرضه مرة أخرى والله الموفق.
شرح بيانات الرسم التقريبي:
1: الحجر الأسود.
2:الركن اليماني.
3: الركن العراقي.
4: الركن الشامي "الغربي".
5: باب العباس وكان يسمى باب بني هاشم وعليه العلم الأخضر الأول من جهة المروة.
6: باب علي وعليه العلم الأخضر من جهة الصفا.
7: العلم الأخضر الذي على دار العباس.
8: العلم الأخضر الذي على ما بقي من دار ابن عباد بعد إدخال أكثرها في المسعى.
9: دار محمد بن عباد بن جعفر التي أزيل أكثرها وجعل الوادي والمسعى مكانها. والجزء الذي بقي منها خارج المسعى يقع في أصل جبل أبي قبيس.
10: دار خيرة بنت سباع التي كانت تطل على المسعى وأدخلها المهدي في المسجد فجعله شارعا على المسعى قبل أن يؤخر.
11: دار الأزرق التي كانت دار خيرة في ظهرها، جدارها وجدار المسجد واحد على يسار الداخل للمسجد من باب بني شيبة.
12: باب السلام " باب بني شيبة"
13: زيادة ابن الزبير للمسجد الحرام التي انتهى فيها إلى حد الوادي.
14: زيادة أبي جعفر المنصور.
15: الزيادة الأولى للمهدي التي جعل المسجد فيها شارعا على المسعى مكان دار خيرة بنت سباع قبل أن يؤخر المسعى.
16: الزيادة الثانية للمهدي محل الوادي.
17: الجزء الذي أدخل في المسجد من المسعى في عهد الخليفة المهدي رحمه الله.
ملاحظة: كثير من الناس لديهم فهم خاطئ لبعض عبارات المؤرخين في هذه المسألة، جعلهم يتوهمون أن الوادي هو المسعى نتيجة لتقاطعهما في محل واحد، والحقيقة أنهما مختلفان، فالوادي يمتد من الشرق إلى الغرب مارا بالمسعى ومتقاطعا معه، في حين يمتد المسعى من الشمال حيث المروة إلى الجنوب حيث الصفا، كما هو موضح في الرسم التقريبي.
¥