تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مفهوم دليل الخطاب ومقتضيات العمل به عند المالكيين]

ـ[ابونصرالمازري]ــــــــ[31 - 10 - 09, 02:29 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

إعداد: عبد الكريم بناني،خريج دار الحديث الحسنية بالرباط،

يشكّل دليل الخطاب أو مفهوم المخالفة أداة فاعلة في تفسير النصوص الشرعية والقانونية وحتى في كلام الناس أيضا، خاصة في المسائل التي ليس لها طريق آخر غير طريق المفهوم المخالف، كما أنه يعتبر من المباحث اللغوية الشائكة والدقيقة، وهذا لما عرفه من خلافات وردود ومناقشات سواء من حيث إقراره جملة ([1])، أو من حيث إقرار بعض أنواعه فقط والتي اختلف أيضا في تعدادها من المفهوم.

كما أن هذا المفهوم يأتي في مقدمة المباحث اللغوية التي اهتم بها الأصوليون وفقهاء القانون على حد سواء، لأن اعتمادها في تفسير وتوضيح بيان النصوص جعل منها مرجعا محوريا يتحدد من خلاله مفهوم النص الشرعي أو القانوني.

وقد تكلم أصوليو وفقهاء المالكية عن هذه الدلالة بإسهاب، فأوضحوا شروطها وضوابطها وحجية كل نوع منها، وسأحاول من خلال هذه الدراسة تقريب صورة دليل الخطاب كما تناولتها كتب أصوليي المالكية، محاولا الإجابة على عدد من التساؤلات المرتبطة بأهمية اعتماد هذه الدلالة في تفسير النصوص الشرعية والقانونية، وذلك في ثلاث نقط: الأولى لتوضيح فكرة دليل الخطاب والثانية خصصتها لبيان دليل الخطاب في كلام الناس، والثالثة لمقتضيات العمل به عند المالكية. فأقول وبالله التوفيق.

أولا: فكرة دليل الخطاب

تتمحور فكرة هذا الدليل، أن دلالة اللفظ على المعنى عند الجمهور – ومنهم المالكية – قسمان: منطوق ومفهوم، وأن هذا الأخير موافقة ومخالفة، وأن كلا منهما يعبر عن جملة أحكام، فإذا كان مفهوم الموافقة في المسكوت عنه يوافق حكمه حكم المنطوق به، سواء بالمساواة أو بالأولى، فإن دلالة قسمه الآخر في المسكوت عنه هي مخالفة حكمه حكم المنطوق به في الإثبات والنفي، بمعنى أن حكم المنطوق إذا كان مثبتا كان حكم المسكوت عنه نافيا أو العكس، وذلك لانتفاء قيد من القيود المعتبرة في المنطوق ([2]) فيكون لنا حكمان: الحكم الأول يسمى منطوق النص والحكم الثاني والثابت للمسكوت عنه، يسمى مفهوم المخالفة أو دليل الخطاب ([3]).

يقول د. حمادي موضحا هذه الفكرة: (فيتضح أن الأصوليين لم يكتفوا بما يؤخذ من الخطاب من زاوية المعنى اللغوي – من المعنى ذاته – بل خطو خطوة أخرى تنطلق هذه المرة من هذه القيود المبثوثة في الخطاب الشرعي باعتبارها تشعر بالعلة كالصفة والشرط والغاية والعدد ونحوها، إذ رأوا أن مثل هذه القيود لا بد وأن تكون مقصودة من طرف الشارع، ولا بد وأن تستهدف تحقيق غرض معين، ومحال أن يكون المتكلم أو الشارع قد أتى بها اعتباطا من غير أدنى قصد ولا يترتب عليها أي غرض، إذ الأسلوب العربي الصحيح يرفض مثل هذا الاتفاق العفوي بين القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والعقل الجماعي ([4])، بل صار لهذه الدلالة أهمية أيضا في منطق الناس ومعاملاتهم وعرفهم واصطلاحهم، نظرا للحاجة إليها في تفسير نصوص العلماء وعقود المتعاملين وتصرفاتهم، فكل عبارة ” من أي عاقد أو متصرف أو مؤلف أو أي قائل إذا قيدت بوصف أو شرط أو حددت بعدد أو غاية تكون حجة على ثبوت الحكم الوارد فيها حيث يوجد ما قيدت به وعلى نفيه حيث ينتفي “ ([5]).

وقد حاولت تعاريف الأصوليين المالكية أن تلامس هذه الفكرة وأن تحدد زاوية هذا الدليل بشكل دقيق، ومن التعاريف المشهورة عندهم، نذكر تعريف القرافي (660هـ) حيث عرفه بقوله: ” هو إثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه ” ([6]) وتعريف التلمساني (771هـ) يقول:” أن يشعر المنطوق بأن حكم المسكوت عنه مخالف لحكمه ” ([7])، لكن ابن رشد الحفيد (595هـ) كان واضحا في حده للدليل مشيرا إلى الباعث والسبب في تغير الحكم إلى النقيض وهو انتفاء القيد وارتفاعه عن المطوق، وقد جاء تعريفه كالتالي:” هو أن يرد الشئ مقيدا بأمر ما أو مشترطا فيه شرط ما، وقد علق به حكم، فيظن أن ذلك الحكم لازم لذلك الشيء من جهة مل هو مقيد وموصوف وأن الحكم مرتفع عنه بارتفاع تلك الصفة ولازم نقيضه ” ([8]).

ثانيا: دليل الخطاب في كلام الناس

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير