لماذا ترك الفقهاء العمل ببعض الأحاديث، رغم أنّها صحيحة؟.
ـ[أبو سعيد الجزائري]ــــــــ[30 - 09 - 09, 10:31 م]ـ
لماذا ترك الفقهاء العمل ببعض الأحاديث،
رغم أنّها صحيحة؟.
قد يَستغِرب أخي طالب العلم عند قراءته للمسائل الفِقهِية من بعض الأقوال التّي يعتمدها الأئمة الفقهاء.
وقد يَستَوحِش بعض الاختيارات التّي اعتمدها بعضهم.
وربمّا يظهر له أنّ كثيراً من هذه الاختيارات مخُالِف لأحاديثٍ يحفظها صِغَار طلبة العلم ...
تَنَاقشنا مرة مع أستاذٍ لنا في القسم بخصوص مسألة فقهية ...
فكان أن بَادَرنا بالسؤال قبل أن يتكلّم لنا عنها ...
فتدافعنا للإجابة عنها، وأعطينا حُكمَها جميعاً بِسُرعة.
فقال لنا: من قال بهذا القول؟.
فسارعت أنا بالإجابة مُتحمِساً:
رسول الله http://majles.alukah.net/images/smilies/salah.gif هو من قال، ...
وذكرت له قول النبي http://majles.alukah.net/images/smilies/salah.gif.
فقال لي:
ولكن فقهاء المذاهب الأربعة جميعاً لم ينتبهوا لما انتبهت إليه.
فقال أحدنا:
العِبرة بقول الرسول http://majles.alukah.net/images/smilies/salah.gif، لا بقول غيره.
فقال الشيخ:
بل بما فَهِمه الأئمة الفقهاء من قوله http://majles.alukah.net/images/smilies/salah.gif.
....
صحيح أنّ المسألة لم أُعِرها اهتماما في ذلك الوقت، ولكن بعد مرور الأيام، والشهور ... بدأت أفكر كثيراً في هذه المسألة.
وأَصبحَت نفسي كثيراً ما تطرح عَلَيَّ أسئلةً ل
لماذا يترك الإمام فلان – وهو الناصح بإتّباع السنن- العمل بالحديث الصحيح.
فأجد دائما إجابة سهلةً تقابلني:
لعلّ الحديث لم يَصِله!!!.
ثمّ بمرور الزمن ...
كَثُرت المسائل التّي أسمع فيها بقول الإمام يخُالِف فيه الحديث، فأصبحت لا أقتنع بتلك الإجابة السهلة ...
وأذكر أنيِّ كنت أطرح هذا السؤال على كلّ من أرجو أنّي سأجد عنده إجابة، وكان أن هداني الله يوماً إلى شيخٍ من شيوخنا في الجامعة، فاستطاع والحمد لله أن يَضع أُصبُعه على الجُرح الذّي أَرَّقني، فوصف لي دواءاً، وأعطاني مِفتاحاً انطلقت من خلاله حتىّ وصلت إلى النتيجة التّي أنوي أن أطرحها في مشاركتي هذه، ألا وهي:
ليس كلّ حديثٍ صَحَّ للنبي http://majles.alukah.net/images/smilies/salah.gif يُعمَل به.
وليس كلّ ما رُوِي عنه http://majles.alukah.net/images/smilies/salah.gif يصلح أن يُتَعبد به.
قال ابن أبي ليلى:
"لا يتفقه الرجل في الحديث حتىّ يأخذ منه ويدع منه".
وهذا المنهج في التعامل مع حديث رسول الله http://majles.alukah.net/images/smilies/salah.gif من قِبل أكثر الفقهاء، مخالف لمِاَ هو معهود عند المحدثين، فهم يعتبرون أنّ:
كلَّ قول، أو فعل، أو تقرير، أو سنة خِلقِية، أو خُلقِية، أو سيرة، قبل البعثة وبعدها هو تشريع.
ولا شك أنّ هذا الاختلاف في التعامل مع حديث النبي http://majles.alukah.net/images/smilies/salah.gif له أثره الكبير في الحكم على المسائل الفقهية.
ومنهج الفقهاء في هذه المسألة يَرتكِز على قاعدة كبرى، وهي:
"فهم معاني ودِلاَلات النص".
والتّي سمّاها الشيخ الطاهر بن عاشور -رحمه الله- بـ:
"حافات السِيَاق".
والسِيَاق هو:
الموضوع الذِّي سِيقَ الكلام لأجله، ودار البحث فيه.
ويجب أن يُراعَى فيه:
السِباق (ما يَسبِق الجملة المراد فهمها)، واللِحاق (ما يؤول إليه السِياق).
فنظرة الفقهاء للحديث نظرة أوسع، تتعدّى حرفية النص إلى ما يسمى بِأبعاد النص. فَتأمَّل ...
وفهم أقوال النبي http://majles.alukah.net/images/smilies/salah.gif وتصرفاته وأخذ الأحكام منها يَستَلِزم فهم السياق الذّي تكلّم به http://majles.alukah.net/images/smilies/salah.gif.
فصحيح أنّ النبي http://majles.alukah.net/images/smilies/salah.gif يتصرف بصفته مُبلِّغَ وَحيٍ وتشريع.
إلاّ أنّه قد يتصرف بتصرفات نظرا للمكانة التيّ يحتلها، كأن يكون إماماً، أو قاضياً، أو مفتياً.
وهذا التمييز في غاية الأهمية لأنّ الاستدلال بنصوص السنة يُوجِب استيعاباً تاماً للمقام الذّي ورد فيه النص.
1. ففي قوله http://majles.alukah.net/images/smilies/salah.gif:
" من أحيا أرضاً ميتة فهي له".
قال أبو حنيفة رحمه الله:
¥