تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما العلماء فلا يتوقف بحثهم في المسائل، ولا يتوقفون عن الحكم واستظهار الأدلة بمجرد أن يقول أحدهم بحل شيء، وهذا حال الصحابة والتابعين وكافة العلماء يُخطِّئ بعضهم بعضا ويناظر بعضهم بعضا طلبا للحق وبيانا للدين، فأهل السنة كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، ولكل عالم زلة، وما من عالم إلا وتحفظ عنه أقوال مهجورة تركها تلامذته من بعده وخالفوه فيها طلبا للحق بل ربما ترك هو قوله القديم لما تبين له الحق أو الأقرب للصواب.

وإنما الخطأ خطأ من تتبع رخص العلماء وزلاتهم وأجاز الانتقاء بالتشهي من كل ما هو منسوب للعلماء من أقوال وفتاوى بزعم أن الكل دين والكل شرع لله.

ولكن هذه المناظرات إنما هي للعلماء، ولا ينبغي للعامة أن يشتغلوا بها، فإن العلماء لما اشتد نكيرهم على التقليد ونصوا على لزوم اتباع الدليل إنما كانوا ينكرون على أتباع المذاهب الذين أفنوا أعمارهم في حفظ المذاهب والمناظرة عن الأقول الواردة فيها مع قدرتهم على الاتباع لمقتضى الدليل بما عندهم من العلم بالأصول والأقوال، أما أن يفهم أن هذه دعوة لكل المسلمين أن يقول كل واحد منهم لأخيه أنت خالفت الدليل فأنت على باطل وأنت مبتدع من غير أي علم بوجوه الاستدلال وأصول الفقه كالعام والخاص والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ والقياس والاستصحاب وغيرها من أبواب أصول الفقه- فهذا لا يقول به أحد، فالعلماء كالأطباء ومناقشات الأطباء ودعواهم تخصهم وحدهم ولا يقول عاقل بأنه بأن ممارسة الطب حق لكل مريض.

بل العامي عليه أن يطلب الورع في دينه والمشتهر بعلمه فيعمل بقوله قيما اشتبه عليه من أمور دينه وكل على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره فكما لا يرضى لبدنه إلا بالطبيب الذي غلب على ظنه ورعه وحسن علمه بالطب فلا يرضى لقلبه إلا بعالم يرضى ورعه وعلمه ومن رضي لنفسه باتباع الرخص والزلات فهذا حسابه عند ربه ولا شأن لنا به إذ هو يقلد عالما في خاصة نفسه ولا يلزم غيره بذلك ولا يحكم على غيره.

وقد أحببت أن أنبه إلى بعض القيود التي ربما تكون قد غابت في تصنيف الناس وفي لزوم كل واحد لدرجته وفي الانشغال بمراد الله الذي نص عليه في كتابه (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). سليم من الشرك، سليم من أمراض القلوب الحسد والكبر والعجب وغيرها، والانشغال باكتشاف النفس وما آتاها الله من هبات ليسخر كل منا ما آتاه الله من نعمة في حفظ دين الله فمن آتاه الله فهما توجه إلى العلم الشرعي أو الدنيوي ليكفي الأمة حاجتها إلى العلماء ومن آتاه الله مالا أعان به متعلما وواسى بها محتاجا وهكذا كل في موضعه، فالأمة لا تقوم على أكتاف رجال يطلب كل منهم لنفسه كل الأدوار ويطلب أن تصطف الأمة كله خلفه هو بل كل في موضعه ينشغل بما يحسنه ويتبع غيره فيما لا يحسنه.

فكأننا قوم خرجوا بسيارة في الصحراء فتعطلت بهم فأردنا الصلاة فمن يؤمنا؟ يؤمنا أقرؤنا، ومن يدلنا على القبلة؟ يدلنا أعلمنا بمواضع الشمس والنجوم؟ ومن يدلنا على الماء؟ أعلمنا بمواضعه في الصحراء، ومن يدلنا على إصلاح سيارتنا؟ أعلمنا بالهندسة والميكانيكا، ومن يوزع علينا المهام؟ أعلمنا بالإدارة.

فإذا فعلنا ذلك سلمنا وغنمنا وصرنا خير أمة وإلا كان ما تعلمون.

وإذا ما كان من شأن فيه أحوال غير مرضية يخشى منه على صفاء معتقد الموحدين وسلامة دينهم فإن المعني بمقابلة ذلك هم العلماء الربانيين الذين يعلمون متى يتكلمون ومتى يتركون الأمر يمر وكيف يتكلمون ومع من ويضبطون المصالح والمفاسد العامة أما أن يكون ذلك للطلبة أو للمتحمسين من المؤمنين فهذا ما كان قبل ذلك أبدا فما علمنا أن عامة المشتغلين بالطلب كانوا يقومون برد المبتدعة ومناظرتهم أو بالتحذير من المخالفين بل اشتهر ذلك عن فحول العلماء والأئمة المتبوعين

أما نحن شباب الإسلام فأهلونا وعشيرتنا الأقربون لا يحسنون قراءة الفاتحة ولا يعرفون عن عقيدة التوحيد ولا يواظبون على الصلاة ولا ينتهون عن الربا ولا يحسنون فقه العبادات ولا يعلمون عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم الكثير فماذا لو كان أصل شغلنا هذا وكانت الردود للعلماء فإنا لا نحسن القيام بدورهم ولا يمكنهم القيام بدورنا وأجزم أن لو سئلوا لقالوا دلوا الناس على ما نقوله في شأن المخالفين الذين فيهم نوع خطأ فاحش أو ابتداع ليطلع تفصيلا على موقفنا منه وانشغلوا بدوركم.

والله من وراء القصد

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير