تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مجالا للتندر والسخرية.

ويعد كتاب الدكتور عبد الصبور شاهين (أبي آدم: قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة. القاهرة: مكتبة الشباب، 1998)، كما سيتبين من هذه المراجعة، مثالا واضحا لهذا "الزيف الاشتقاقي".

وسوف أعرض هذا الكتاب هنا مبينا الفرضية التي يقوم عليها. كما سأبين الطرق التي سلكها المؤلف في محاولاته البرهنة على تلك الفرضية، وسيتبين لنا أن هذه الفرضية والبراهين التي ساقها المؤلف عليها لا تتمتع بكثير من الإقناع.

الغرض من تأليف الكتاب:

يبين الدكتور عبد الصبور شاهين أن ما دعاه إلى تأليف هذا الكتاب، الذي استغرق تأليفه خمسة وعشرين عاما، كما يقول، أنه وجد أن". . . نظرة القدماء إلى قصة الخلق قد تأثرت بالتصور الإسرائيلي لها، وهو الوارد في سفر التكوين، حيث يختزل الزمان كله إلى أقل من ثلاثة آلاف سنة تستغرق عشرين جيلا هم المسافة بين آدم وإبراهيم [هكذا]. . . ." (ص ص 21ـ22)، لذلك فإن هدفه من تأليف الكتاب هو: ". . . انتزاع العقل المسلم من براثن النقول الإسرائيلية المحشوة بالخرافات المنافية لكل ما هو عقل، وعلم، ونور" (ص17). كما يصرح بأن هذه المسألة شغلته ربع قرن أو يزيد قضاه". . . في محاولة لفهم النصوص التي جاءت في القرآن الكريم، وهي قطعية تروي وقائع قصة الخلق، وأيضا للتوفيق بين التصوير القرآني، والاتجاه العلمي في تصوير الحياة البشرية على هذه الأرض. . . " (ص 9).

ولم يبين المؤلف كيف أن الأسطورة الإسرائيلية، كما يصفها، لا يمكن أن تكون تفسيرا لخلق الإنسان، وإنما اكتفى بوصفها بالخرافة وأنها تتصادم مع المعرفة العلمية الحديثة. وكان المنتظر منه أن يتوجه، في بداية الكتاب، إلى تفنيد هذه الأسطورة تفنيدا تاريخيا يتمثل في تتبع مصادرها الإسرائيلية، وطرق دخولها إلى المصادر الإسلامية، ونقد سندها، إلى غير ذلك. لكنه وجه جهده، بدلا من ذلك، وجهة أخرى تتمثل في محاولة الاستفادة، كما يقول، من العلوم الحديثة في تفسير الإشارات التي وردت في القرآن الكريم عن هذه القصة.

وسبب محاولته الاستفادة من العلوم الحديثة في هذا الغرض أن كثيرا من المفاهيم تغيرت في العصر الحديث، كما يقول، وأنه ". . . صار لزاما على من يتصدى لكتابة شيء عن هذه القصة أن يأخذ في اعتباره ما كشف عنه العلم الحديث من حقائق، وما قال به من نظريات، حتى لا يبدو متخلفا عن ركب المعرفة المعاصرة" (ص21).

ومن المعروف أن البديل "العلمي" الذي يُقترح في هذا العصر لتفسير نشأة الإنسان، بل نشأة الأحياء كلها، هو النظرية التي تسمى بـ"نظرية التطور". غير أن الدكتور شاهين لم ير هذه النظرية بديلا صالحا لما أسماه بالخرافة الإسرائيلية. وإنما بدأ كتابه بهجوم عنيف على هذه النظرية معتمدا على كثير من المعلومات غير الصحيحة عنها. وبدلا من أن يفي بما وعد به من الاستفادة من المنجزات العلمية في هذا العصر، في تفسير نشأة الإنسان، قصد إلى "استنطاق" آيات القرآن الكريم وإعطاء تفسيرات جديدة لبعض الألفاظ الرئيسة التي وردت في الآيات القرآنية الكريمة في سياق هذه القصة.

والتفسير اللغوي الذي بنى عليه فرضيته البديلة للخرافة الإسرائيلية، كما يسميها، جديد، على حد علمي؛ لكنه تفسير قد لا يتفق معه أحد فيه.

وسوف أعرض فيما يلي الفرضية التي أقام المؤلف كتابه عليها ثم أعرض التفسير اللغوي الذي أتى به للبرهنة على هذه الفرضية. كما سأتناول بعض النقاط الأخرى التي يتبين منها أنه لم يتوفر للدكتور شاهين في هذا البحث ما يكفي من الأدوات الضرورية اللازمة لتناول هذه القضية تناولا علميا دقيقا.

فعلى الرغم من أن عنوان الكتاب ينص على أن ما سيعرضه المؤلف يمثل "الحقيقة" إلا أنه يعترف بأن: "هذه القصة كما وردت في القرآن الكريم تحتمل الكثير من التأويلات، وهي حافلة بالإيماءات والإشارات ذات الدلالة التاريخية والزمنية. .. "، وأن ". . . جُلَّ اهتمامنا في عرض قصة الخليقة على استنطاق آيات القرآن باعتبارها المصدر الأول والأوثق الذي ينبغي اعتماده في هذا المجال. . . " (ص12).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير