تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكما هو واضح في هذه الآية فإن مريم عليها السلام تستطيع رؤية "البشر"، وهو ما يعني أنهم الذين كانوا يعيشون في تلك الفترة التاريخية. ثم إنه لما لم يكن لكلمة "البشر" مفرد من لفظها فقد استعمل القرآن الكريم وصفا من المادة اللغوية التي جاء منها لفظ "الإنسان" وهو "إنسي". وما دام أن كلمة "إنسي" استخدمت وصفا لـ"البشر" فإن هذا يدل دلالة أكيدة على أن "البشر" مرادف لـ"الإنسان"، وأن فرضية المؤلف التي تقوم على التمييز بينهما في الدلالة لا تصح.

ويجب أن أشير هنا إلى أن الدكتور شاهين لم يورد هذه الآية في الكتاب كله. وهو ما يدعو إلى التساؤل عن سر عدم إيراده لها: أتراه يجهلها؛ أم أنه نسي الإشارة إليها؛ أم أنه لم ير فيها شيئا جديدا يضاف إلى ما ورد في الآيات التي أوردها؟

وهذه الاحتمالات كلها واردة عند من يريد أن يعتذر للدكتور شاهين. أما الذين يريدون أن يفهموا من عدم إيراده إياها شيئا آخر فإن أول ما يخطر لهم أنه تعمَّد عدم ذكرها لأنه يعرف أنها أوضح دليل ينقض فرضيته.

ويمكن أن يستأنس لهذا الاحتمال بما فعله الدكتور شاهين في إيراده الآية 79 من سورة آل عمران غير كاملة، فقد أوردها على الصورة التالية: "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة" (ص69).

وربما بدا للقارئ غير المتمعن أن معنى هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى ينفي أن يكون "البشر" أهلا لتلقي "الكتاب والحكم والنبوة"، أي "التكليف"، بمصطلح الدكتور شاهين. وهو ما يتماشى مع فرضية الدكتور شاهين التي تقضي بأن "البشر" نوع بدائي قديم لم يؤهله الله لتلقي الكتاب ولم يؤته الحكم ولا النبوة التي اختص بها الإنسان الذي يمثل نوعا متطورا جاء بعد "البشر" بآجال طويلة، وصار "مكلفا بالتوحيد والعبودية".

أما هذه الآية بتمامها فهي:

"ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تُعلِّمون الكتابَ وبما كنتم تدرسون".

والواضح أن معنى هذه الآية ينصرف إلى الأنبياء على وجه الخصوص، وهو ما يعني أنها موجهة لمن يدخل في جنس "الإنسان"، بتعريف الدكتور شاهين. بل ربما كان المقصود فيها عيسى بن مريم عليه السلام تحديدا، وبخاصة إذا نظرنا إلى الآيات التي سبقت هذه الآية والآيات التي جاءت بعدها.

وخلاصة القول أن فرضية الدكتور شاهين تسقط اعتمادا على المعنى الذي تؤديه هاتان الآيتان وحدهما. ذلك أن كلمة "بشر" فيهما مرادف لكلمة "إنسان" بشكل لا لبس فيه.

ومع هذا فإننا سوف نستمر في عرض فرضيته بالنظر في المعاني التي يرى أن كلمة "الإنسان" تدل عليها.

فهو يقرر في (ص16) أن:"المشروع الخلقي [للإنسان] كان واحدا. . . [منذ البداية] إلى يوم الناس هذا، وأن البشر قد مر في مراحل من (التسوية، ونفخ الروح الإلهي) في مراحل متدرجة من حيث النضج، وهو ما اختلفت به هويات الأجيال، وكل ذلك في إطار المرحلة البشرية إلى أن كان (آدم) أول الإنسان الأول [هكذا]، الذي اصطفاه الله نبيا، فكان أبا الإنسان. . .".

ويقول في (ص99):"وليس يبعد أن نفترض أن الخالق سبحانه ـ وقد مضت مشيئته بتفرد آدم وذريته بالسيادة على الأرض، والنهوض بأمر الدين، وإقامة التكاليف، وفي مقدمتها التوحيد ـ قدر سبحانه فناء كل البشر، من غير ولد آدم، وذلك بعد عزل السلالة الجديدة المنتقاة في الجنة، حتى تتم إبادة جماعات الهمج البشرية، لتبدأ بعد ذلك الملحمة الإنسانية، بطليعتها المصطفاة: آدم وحواء، وبدأ التكليف داخل الجنة، وبدأ الصراع بعد أن أخليت ساحته من العناصر الطفيلية التي لم يعد لها دور، بل التي انتهى دورها، ليبدأ على الأرض دور جديد. . ."

فالإنسان، إذن، "تطور" عن البشر.

غير أن لفظ "الإنسان" ورد في حديث القرآن عن قصة الخلق مسبوقا وملحوقا بالكلمات نفسها التي وردت مع اللفظ "بشر". وذلك في مثل قوله تعالى:

"ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون" (الحجر26)

"وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون" (الحجر28)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير